لانا موظّفة تعمل في شركة منذ سنوات، وقد صُدم مديرها بتصرّفها الفظ والجارح مع سكريتيرته. فعندما سألتها هذه الأخيرة عن سبب غيابها المفاجىء من دون سابق إنذار، أجابت: «ما إلِك علاقة، إذا مديرك بدو منّي شي، يحكيني». والغريب أنّ لانا معروفة بتهذيبها وحسن تعاطيها مع الجميع. واتّضح لاحقاً أنها تشعر بالغيرة عندما تقارِن نفسها بزميلتها التي لا تعمل لساعات طويلة، وتتقاضى راتباً يفوق ما تتقاضاه بأشواط.
 

لماذا نتعرّض أحياناً لردود فعل مؤذية وجارحة من أحد المحيطين؟ ما الذي يسبّب اللؤم لدى بعض الأشخاص، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيتهم؟ ما هو دور البيئة والتربية؟ كيف نتصرّف مع الشخص اللئيم؟ هل علينا أن نتفهّم ظروفه؟ ما الحلّ؟ وهل من علاج؟

نسبة العدوانية وقلّة الاحترام في تزايد بين البشر، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ ذلك قد تحوّل إلى مرض اجتماعي مُعدٍ، يدور المصاب به في حلقة مفرغة لا نهاية لها. وتتناقل الحدّة في التعاطي والعدوانية من شخص لآخر، فتتّسع لتشمل نطاقات أوسع مما نتخايله.

نبدأ مثلاً مع سائق يتصرّف بعدوانية مع سائق آخر متّجه إلى عمله، ما يرتدّ غضباً بوجه زميل لا ناقة له ولا جمل، الذي بدوره «بيفِشّ خلقو» بزوجته وأبنائه...

نمرّ جميعاً بصعوبات كثيرة، ترتفع خلالها عدوانيتنا وردود أفعالنا، فنخطئ ثم نعتذر، وغالباً ما تسامحنا الضحية. ولكن ما حال الأشخاص الذين لا يتوقفون عن الأذية وإهانة مشاعر الآخرين وكراماتهم؟

ثمة أشخاص يعرف الجميع أنهم يتعاطون مع الغير بطريقة مستفزّة، متباهية، متعالية ومؤذية بشكل دائم، وآخرون نتفاجأ من سلوكهم العدواني تجاهنا فجأةً، من دون سبب أو حجّة. فالذي يعيش حالاً من التعدّي المستمر على الغير، يتحوّل إلى شخص غير محبوب ومرفوض.

لا بد أن يؤدي توجيه الإهانات والاستلشاء بالآخر إلى انفعالات مختلفة بحسب شخصية الضحية، والظروف الراهنة التي تمرّ بها، وبيئتها وتربيتها وثقافتها، والقدرة على السيطرة على ردود الأفعال. فمن الأشخاص من يردّ الكيل كيلين، ومنهم من يبكي، ومنهم من يترك المكان غاضباً، وقلّة تتفهّم الوضع وتحاول تحسين العلاقة.

تتسابق السيدات في المنازل على جرح العاملات الأجنبيات والنيل من كراماتهنّ وحقوقهنّ، فينعكس ذلك ردود فعل سلبية على الأطفال والضيوف، كما على الأغراض والمقتنيات، فيتمّ تكسيرها وتحطيمها عمداً.

أماني سيدة منزل تهتمّ كثيراً بالمظاهر الخارجية، وبلفت نظر الآخرين، وهي على علاقة سيئة مع العاملة الأجنبية المستخدمة لديها، إذ تتعاطى معها بتسلّط، وتعطيها ملاحظات جارحة أمام صديقاتها. وتفقد هذه السيدة أغراضاً ثمينة من منزلها. واكتشفت مؤخراً أنّ العاملة الأجنبية ترمي تلك الحاجيات في القمامة انتقاماً من لؤمها.

الأسباب الرئيسية لنمو جذور الفظاظة واللؤم هي الإحباط، والضغط النفسي والاجتماعي، أي ما يُعرَف بنمط الحياة الجديد الذي نعيشه، وهي أسباب بديهية ومرحلية لبعض الأشخاص. كما قد نصبح عَصبيي المزاج عندما نفقد من نحب، أو عندما نواجه مشاكل علائقية، أو حتى عند إصابتنا بحادث يتسبّب لنا بالقلق؛ كما يزيد مستوى الإنفعال عند اقتراب الاستحقاقات الحياتية المصيرية، كمرحلة ما قبل الزواج، الإمتحانات، الوظائف الجديدة وغيرها.

أمّا بالنسبة للأشخاص الذين يعتمدون اللؤم والحدّة في التعاطي، فالأسباب مختلفة ومنها:

1- عدم تقدير الذات، عدم الشعور بالأمان، ضعف الثقة بالنفس وعدم القدرة على تمييز وفهم تصرفات الأشخاص المحيطين. بالتالي، يتعاطى الفرد مع الآخرين بحسب نظرته لنفسه، كما قد يقلّد فرداً آخر فظاً، والنتيجة واحدة. فعندما ينظر الإنسان إلى نفسه بدونية وسلبية، ينعكس ذلك على رؤيته للغير، فيخفي ضعفه خلف كلمات تبرز قوته وسيطرته، فيشعر بالتحسن.

2- المشاكل الشخصية: نخرج أحياناً عن السيطرة بكلماتنا المؤذية والجارحة بسبب صعوبات أو تحديات نواجهها، كالغيرة مثلاً. بالتالي، لا بد من تقدير ظروف من يمر بمراحل صعبة.

3- التصرفات العدوانية المكتسبة خلال مراحل الطفولة وفي البيئة التي ينمو فيها الفرد ويعيش.

4- الإضطرابات الشخصية الناتجة عن طفولة صعبة، الشخصيات المضطربة، والحَدّة، والمعادية للمجتمع، والنرجسية وغيرها.
يتعاطى بفوقية مع الآخرين من يعاني اضطراباً في «الأنا»، فتراه شخصاً متباهياً، متسلطاً، ديكتاتورياً، لديه حاجة ماسة الى أن يكون مركزاً لاهتمام الغير، كما يحتاج للمعاملة بلطف والشعور بالحب والأمان.

من يتعاطى بلؤم مع الآخرين بطبيعته هو شخص غير مرن ولا يتقبل الآخر، يعتمد فقط على رؤية الأمور من منظاره، وعلى أنه دائماً على حق. فيخفي هذا الشخص ضعفاً، وقد ينتج ذلك عن تعرضه للضرب والعقاب خلال طفولته، كما قد يكون تربّى على يد أب و/أو أم متسلطين، وتعرَّضَ للقمع، وحُرِمَ من حاجاته الأساسية.