لعل المطلوب التفكير جدّياً بالخطوات الضرورية والمُلحّة لزحزحة هذه الطبقة الحاكمة عن رقاب الناس وصدورها، ولن ينفع أحدٌ بعد اليوم دفن رأسه في الرمل، والتّستّر على حُكّامٍ مكانهم الطبيعي السجن لا كراسي الحكم أو الإقامة الجبرية والنّفي في أحسن الأحوال
 

مع الاحتفاظ دائماً بحقّ الشعب اللبناني بكافة فئاته وطبقاته وأطيافه، برفع الصوت عالياً بوجه هذه الطبقة السياسية الحاكمة والمتربعة على كراسي الحكم منذ أكثر من ثلاثة عقودٍ من الزمن، وارتكبت بحقّه جرائم نهب المال العام وتراكُم المديونية، وفساد قطاعات الخدمات العامة، إلاّ أنّ هذا لا يعني بالضرورة إعفاء مسؤولية "خُدّام" هذه الطبقة السياسية من إداريّين ودبلوماسيّين وأمنيّين وعسكريين وقُضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية ورؤساء مجالس الإدارات، لا بل لعلّ جرائم هؤلاء الذين مرّروا سياسات هذه الطبقة الحاكمة وموبقاتها طوال الفترة الماضية أشدّ هولاً وفضاعةً من جرائم السياسيين الذين لا يعرفون ويُتقنون حِرفةً غير حرفة نهب المال العام والاثراء غير المشروع وصرف النفوذ، فهم معذورون، وهم  بمعظمهم لا يحملون شهادة عالية ولا إجازة، ولا تبِعة تلحق بأفعالهم وأقوالهم "المُحصّنة"، في حين راحت "جماعات" النظام من قضاة وأساتذة وضُبّاط ومُدراء ورؤساء أجهزة الرقابة والتفتيش  تُجيز لهم استمرار الفساد المالي حتى وصل الأمر هذه الأيام إلى الحضيض،  ممّا اضطرّ هؤلاء الحكام أن يمسّوا بمكتسبات هؤلاء "القوم المُتستّرين" على كافة الجرائم التي تُرتكب بحقّ هذا الشعب الصابر، والذي لم يتبقّى أمام شبابه سوى أبواب الهجرة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

إقرأ أيضًا: الظاهرة العونية تغدو كارثة وطنية تقتضي علاجاً فورياً

كان من الطبيعي أن ينتفض على موازنة أهل "النظام الفاسد"، المُتنعّمون  بخيرات هذا النظام: موظفو المصرف المركزي أصحاب الرواتب الضخمة( يقبضون ستة عشر شهراً)، والتقديمات الخيالية( قرض سكني بحوالي ملياري ليرة)، القضاة الذين لا تتدنّى رواتبهم عن التسعة ملايين ليرة، عدا التقديمات الاجتماعية، كذلك أساتذة الجامعة اللبنانية، العاملون في المصالح والمؤسسات المستقلة كالمرفأ والمطار والضمان الاجتماعي والمصرف المركزي، والحجّة الدائمة هي الحفاظ على المكتسبات (والتي تحقّقت بمعظمها تحت الضغط)، ذلك أنّ كل جماعة يمكنها أن تتحول إلى جماعة ضغط بالإضراب وتعطيل المرافق العامة.

للأسف الشديد هذه حال مأساوية، ولعلّ المطلوب، أو المفترض السعي له، قبل محاولات حماية المكتسبات، والتي يمكن أن تصبح في غمضة عين أثراً بعد عين، التفكير جدّياً بالخطوات الضرورية والمُلحّة لزحزحة هذه الطبقة الحاكمة عن رقاب الناس وصدورها، ولن ينفع أحدٌ بعد اليوم دفن رأسه في الرمل، والتّستّر على حُكّامٍ مكانهم الطبيعي السجن لا كراسي الحكم، أو الإقامة الجبرية والنّفي في أحسن الأحوال وأرحمها.

قال الشاعر:

لا تحسبنّ الموتَ موت البِلى

فإنّما الموتُ سؤالُ الرجالِ

كلاهما موتٌ ولكنّ ذا

أشدُّ من ذاك لذّلِّ السؤالِ.