كيف سيكون الوضع في لبنان في حال تطورت الأمور إلى مواجهة بين إيران والولايات المتحدة؟
 

على الرغم من الحُشود العسكريّة الأميركيّة المُتصاعدة في المنطقة، وعلى الرغم من حال الإستنفار في صُفوف القوى المُسلّحة الايرانية، فإنّ أغلبيّة التقارير والتحليلات المُتخصّصة بأوضاع منطقة الشرق الأوسط لا تزال تستبعد أيّ مُواجهة مُباشرة بين الأميركيّين والإيرانيّين.

 لكنّ إستبعاد الصدام العسكري المُباشر لا يعني النوم على حرير، حيث أنّ الصراع الإقليمي الدَولي المُتفاقم في المنطقة، والذي أخذ أخيرًا منحى أمنيًا خطيرًاولوّ بالواسطة، يُهدّد الإستقرار الإقليمي، وحتى الأمن الدَولي بكامله، ومن شأنه أن يترك آثارًا سلبيّة كبيرة ومُهمّة على دول تُعاني من أوضاع خاصة ومن إنقسامات داخليّة حسّاسة، على غرار الواقع اللبناني. فهل سيتمكّن لبنان ان يكون على الحياد في الصراع ا الأميركي لإيراني؟

لا شكّ أنّ سعي الولايات المُتحدة الأميركيّة الجِدّي لمنع تصدير النفط الإيراني بشكل كامل، حتى إلى الدول التي كانت مُعفاة في السابق من العُقوبات الإقتصاديّة الأميركيّة على إيران، فتح صفحة جديدة أشدّ خُطورة في الصراع بين واشنطن وطهران، باعتبار أنّ وقف الصادرات النفطيّة الإيرانيّة كلّيًّا يعني عمليًا خنقها إقتصاديًا بشكل كامل. وإيران كانت أعلنت مرارًا أنّ منعها من تصدير نفطها، سيُؤدّي إلى منع تصدير النفط في مضيق هرمز الذي يُعتبر من بين أهمّ المَمرّات البحريّة في العالم أجمع، نتيجة مُرور نحو 40 % من الإنتاج العالمي من النفط عبره، وتحديدًا نفط دول الخليج. وإذا كانت إيران غير قادرة على التعرّض عسكريًا وبشكل مُباشر لأيّ ناقلة نفط، فإنّها قادرة على تنفيذ تهديداتها عبر جهات أخرى. 

إقرأ أيضًا: بين الحريري وباسيل… الأمور ليست على ما يرام!

ومن الضروري التذكير أنّ إيران كانت سرّبت معلومات إستخباريّة بحوزتها، تتحدّث عن تحضيرات لشنّ هجمات مُسلّحة على ناقلات نفط في مياه الخليج، من قبل جهات ترمي إلى حُصول مُواجهة عسكريّة بين واشنطن وطهران، الأمر الذي فسّره أكثر من خبير في حينه، بأنّه عبارة عن تهديدات مُبطّنة باللجوء إلى هذا الخيار، ولوّ من دون أن تتحمّل إيران المسؤوليّة المُباشرة عنه، تجنّبًا للمُساءلة الدَوليّة كون حركة الملاحة البحريّة محفوظة لمُختلف الدول في القانون الدَولي. وما حصل خلال الفترة الماضية، إن لجهة تعرّض سفينتين سُعوديّتين وواحدة إماراتيّة ورابعة ترفع العلم السويدي لهجمات بمُتفجّرات محدودة الطاقة التدميريّة قُبالة سواحل دولة الإمارات، أو لجهة مُهاجمة مُنشآت سُعوديّة حيويّة، ومن بينها محطّتي ضخ لخط أنابيب نفط، بطائرات مُسيّرة عن بُعد، يدخل في سياق تنفيذ التهديدات الإيرانية–ولوّ بشكل غير مُباشر لفرض مُعادلة تقول إنّ السعي لخنق إيران إقتصاديًا سيُواجَه بالسعي لخنق الدول الخليجية المُناهضة لها إقتصاديًا.

وعلى الرغم من أنّ أنصار الله في اليمن هم من تبنّوا الهجمات ردًا على الضربات السُعودية في اليمن، فإنّ طبيعة الأهداف التي ضُربت في السُعودية تؤكّد أنّ الحَوثيّين يُنفّذون التعليمات الإيرانيّة، ويُدافعون عن مصالح طهران الإستراتيجيّة.

وكان لافتًا أنّ أسعار المُشتقّات النفطيّة التي كانت بدأت بالتراجع نتيجة الكباش الإقتصادي الحاد بين الولايات المتحدة الأميركيّة والصين، عادت إلى الإرتفاع مُجدّدًا خلال الساعات الماضية، بسبب الخشية من الإهتزاز الأمني في أحد الشرايين الأساسيّة لتصدير النفط العالمي، أيّ في مضيق هرمز. وصولاً الى إسقاط الطائرة الاميركية.

وبالنسبة إلى لبنان الغارق في مشاكله الإقتصاديّة والماليّة، والذي جمّد مشاكله السياسيّة إلى مرحلة لاحقة في إنتظار بتّ ملفّ المُوازنة، فهو يسير حاليًا بين الألغام إذا جاز التعبير، لتجنّب الإرتدادات السلبيّة للصراع الأميركيّ الإيراني المُتصاعد. الإقليمي–الدَولي الحالي، في تصاعد مُستمرّ.

وإذا كانت بعض القوى الداخلية تعتبر انّه لا يجب ان يزجّ حزب الله نفسه ولبنان في حرب محتملة بين اميركا وايران، على قاعدة ان لا دخل لنا في مواجهة من هذا النوع، إلاّ انّ مقاربة الحزب تختلف كلياً، ذلك انه مقتنع بأنّ «المحور المضاد بقيادة الولايات المتحدة هو الذي ربط ساحات المنطقة بعضها ببعض، من خلال هجماته على سوريا وفلسطين واليمن وايران والمقاومة في لبنان.

إقرأ أيضًا: إدارة البلد محكومة بالحسابات الضيقة والنتيجة نحو الهاوية

وفي هذا السياق، يرى الحزب، انّ التركيز على استهداف ايران في هذه المرحلة نابع من اعتقاد ترامب بأنّ إسقاط طهران سيؤدي تلقائياً الى انهيار كل قوى المحور ومن بينها المقاومة في لبنان. 

ولذلك لا يمكن لحزب الله ان يُحيّد نفسه عن هذا التهديد، وحتى لو اراد ذلك، فإنّ الاميركيين والاسرائيليين يرفضون تحييده، والدليل على ذلك العقوبات المالية والضغوط الاخرى التي يتعرّض لها.

وانطلاقاً من هذا الترابط بين الساحات، يؤكّد القريبون من الحزب، انّ اي حرب لن تكون اميركية ايرانية فقط، بل ستتمدّد تلقائياً على مساحة المنطقة بحكم الامر الواقع. 

وبناءً على حقيقة انّ المنطقة باتت كناية عن مجموعة من حجارة الدومينو، من التبسيط بمكان الافتراض انّه بالامكان عزل لبنان أو فصله عن تداعيات ما يجري في المحيط الاقليمي، في الخُلاصة، المنطقة مقبلة على سلسلة من التطورات، والأكيد أنّ التصعيد الحالي خطير جدًا. وليس بسرّ أنّ لبنان المُنقسم بحدّة على نفسه إزاء النظرة إلى الصراع في المنطقة، سيكون أمام أكثر من لغم عليه تجنّبه في الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، في حال تطورت الامور الى ما هو اسوأ.