أكبر كوابيس عمار الحكيم يتمثل في حرمان تياره من الدرجات الوظيفية الخاصة
 
يثير أسلوب المعارضة الذي تبناه تيار الحكمة، الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي عمار الحكيم في العراق، السخرية في الأوساط السياسية، بسبب ما يوصف بأنه تناقض في المواقف.
 
وأعلن الحكيم أن إصرار رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على تهميش بعض القوى في القرار السياسي، دفعها إلى تبني خيار المعارضة السياسية، مشيرا إلى أن المعارضة لن توجه نحو النظام السياسي، بل إلى الحكومة بهدف تصحيح مسارها.
 
وحاول الحكيم أن يقدم تفسيرا موضوعيا للسبب الذي دفعه إلى إعلان المعارضة بعد مرور ما يزيد على ستة أشهر من تشكيل الحكومة، بالإشارة إلى أنه لم يرد وضع العصيّ في العجلة مبكرا، لكنه تساءل أيضا عن سبب تحمله مسؤولية أداء حكومة لا يمثله أحد فيها.
 
ولكن كواليس المفاوضات السياسية كشفت أن ممثلي الحكيم ما زالوا حاضرين في لجان اختيار الموظفين المرشحين لشغل الدرجات العليا في الجهاز التنفيذي للدولة، حتى بعد تبني تيار الحكمة خيار المعارضة السياسية للحكومة.
 
ويثير هذا التناقض السخرية في الأوساط السياسية والإعلامية، إذ يعتقد ساسة وإعلاميون أن الحكيم أعلن معارضة الحكومة، بعدما أيقن عجز تياره عن الحصول على إحدى حقائبها، لاسيما خلال الأسابيع القليلة الماضية، التي شهدت الاتفاق على مرشحين لملء أربع حقائب شاغرة، صوت البرلمان على منح الثقة لثلاثة منهم.
 
وكشفت مصادر سياسية عن مشاركة تيار الحكمة في المفاوضات المستمرة منذ أسابيع، لتوزيع المئات من المناصب المهمة في الدولة على الأحزاب السياسية المختلفة، استمرارا لنهج المحاصصة الذي جرى اعتماده في تشكيل الحكومة.
 
ولم ينكر ممثلو تيار الحكمة مشاركتهم في مفاوضات اختيار المرشحين لشغل الدرجات العليا، التي تشتمل على مناصب وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات المستقلة والمدراء العامين، وتصل في بعض الأحيان إلى مدراء الأقسام الحيوية في بعض الدوائر الرسمية المهمة.
 
ويقول صلاح العرباوي، وهو مدير المكتب الخاص للحكيم وقيادي في تيار الحكمة، إن “البعض يخلط بين المعارضة والاجتثاث”، في الإشارة إلى القانون الذي طبق ضد أعضاء حزب البعث بعد العام 2003، وينص على “اجتثاثهم” من جميع مؤسسات الدولة.
 
ويضيف العرباوي أن هناك من يطالب تيار الحكمة بالتنازل عن جميع مواقعه في الدولة، مؤكدا أن التيار ليس له من يمثله في الحكومة الآن بدرجة وزير أو وكيل أو رئيس هيئة مستقلة، مستغربا من مطالبة بعض الأطراف نواب الحكمة بالاستقالة من البرلمان.
 
وخلص إلى القول، إن تيار الحكمة يعارض الحكومة وليس الدولة.

ويقول ساسة عراقيون في كتل مشاركة في الحكومة إن تيار الحكمة فشل خلال مفاوضات تشكيل الحكومة في الحصول على أي حقيبة لأحد مرشحيه، لكنه عازم على تغيير هذا الوضع خلال مفاوضات توزيع الدرجات الوظيفية العليا، ما يعني أن معارضته “مصلحية”.

ويستشهد هؤلاء بمشاركة نواب تيار الحكمة، وعددهم 19، في التصويت على منح الثقة لثلاثة وزراء، الداخلية والدفاع والعدل، يمثلون كتلا مشاركة في الحكومة، الاثنين الماضي، ووقفوا ضد منح الثقة لمرشحة وزارة التربية.

ويكشف سياسي عراقي مشارك في مفاوضات توزيع الدرجات العليا على الأحزاب لـ”العرب”، أن “تيار الحكمة وقف مع حلفائه في البرلمان، عندما عرض مرشحيهم على التصويت، الاثنين، حفاظا على مصالحه وكسبا لرضاهم، ووقف ضد مرشحة التربية، بسبب خلاف سياسي مع الجهة التي رشحتها، ما يؤكد أن خيار المعارضة مرهون بحسابات سياسية، تقدم المصالح الحزبية على كل الاستحقاقات”.

ولأجل هذا، يوجه قادة تيار الحكمة انتقاداتهم الحادة لرئيس الحكومة، محملين إياه مسؤولية بطء الأداء الحكومي، لكنهم لا يخوضون في أداء الوزراء، خشية إغضاب كتلهم، ما قد يدفعها إلى الوقوف ضد مطالب تيار الحكيم في مفاوضات توزيع الدرجات الخاصة.

وبدا واضحا أن الأطراف السياسية التي ترتبط مع تيار الحكيم بعلاقات متوترة، على غرار حركة عصائب أهل الحق، تفهم الآلية السياسية التي ينتهجها “الحكمة” في التعاطي مع أجواء المفاوضات.

وفي رد غير مباشر من العصائب، التي يتزعمها قيس الخزعلي المقرب من إيران، قال نعيم العبودي، القيادي في الجناح السياسي للحركة، إن “الدرجات الخاصة ستحسم وفق الكفاءة وليس التقاسم الحزبي”. وأكد “سنقف ضد مبدأ تحكم الأحزاب بالدرجات والهيئات الخاصة”.

ويقول مراقبون إن “أكبر كوابيس الحكيم، يتمثل في تواطؤ الكتل السياسية التي حرمت تياره من الحصول على حقيبة وزارية، على تكرار الأمر نفسه مع الحكمة، في ملف الدرجات الخاصة”، وسط توقعات بأن تلجأ الكتل التي شكلت الحكومة إلى معاقبة الأحزاب التي تبنت خيار المعارضة، من خلال منعها من الحصول على مواقع مهمة في الجهاز التنفيذي للدولة.

ويبدو أن الحكيم بعد أن شعر باليأس من إمكانية إعادة تسويق وجوده السياسي من خلال الحكومة صار يروج لفكرة انحيازه إلى المعارضة.

ويقول مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” إن الحكيم لا يريد أن يعترف بأن الأحداث سبقته وأنه صار جزءا من الشريحة السياسية التي صار عليها أن تغادر المشهد، وهو يأمل في أن يعينه إرثه العائلي الذي هو إرث ديني بالأساس على استعادة موقعه في العملية السياسية وإن كان ذلك يحدث من خارج تلك العملية.

ويرى المراقب أن الحكيم شخصية ضعيفة، تم استضعافها أكثر حين انفضّ من حولها الأتباع السابقون الذين لم يجدوا نفعا في الاستمرار في تيار سياسي، حكم عليه الفرقاء الآخرون بالزوال ولم تعد إيران توليه شيئا من اهتمامها بعد أن صعد زعماء الحشد الشعبي إلى مواقع سياسية صارت تؤهلهم للضغط على الحكومة بل وحتى التحكم بسياستها.

ويخلص المراقب إلى أن حديث الحكيم عن معارضته هو أمر يقع خارج ما ينشغل به السياسيون العراقيون في هذه المرحلة وهو لا يخيف أحدا ولن يشكل ثقلا من جهة تأثيره على الرأي العام في العراق.