النظام في إيران خسر الشعوب الإيرانية، لذلك يلجأ إلى ترميم علاقته بها بالمزيد من العمليات الإرهابية، ليقول لها إنه يقاتل من أجل تخفيض العقوبات لأنها سبب الفقر والتدهور.
 

يحاول النظام الإيراني استغلال التصعيد في العقوبات الأميركية للقيام بهجمات “غير معلنة”، أو المبادرة بعمليات محسوبة الغرض لتحريك الأزمة ونقلها إلى مقدمة الاهتمامات، سواء في السياسة أو في الإعلام، بحثا عن مخرج يمكن أن يأتي عبر تفاهمات أو مؤتمرات، ولهذا فإن التوقيت يتبع خارطة مواعيد اللقاءات الإستراتيجية ومفاصل التصريحات الرسمية لقادة ووزراء الخارجية في الدول الموقعة على الاتفاق النووي الذين يشكلون الغطاء للنظام السياسي العالمي.

ولاية المرشد تعطي الانطباع بأنها تعيش مرحلة الانتشاء بنصرها بإسقاط طائرة الدرون الأميركية وتفجير الناقلات، إضافة إلى تفاقم حماقات أذرعها في اليمن والعراق لإيصال الرسالة التي تراها أهم من المردودات الخارجية إن كانت سلبية أو إيجابية على النظام. الرسالة المتعلقة بالقبض على زمام الأمور في الداخل الإيراني والرهان على ولاء الحرس الثوري وأجهزة القمع المطلق للنظام، ومدى الاستعداد لردع أي احتجاجات يحتمل أن تندلع فجأة في أي مدينة إيرانية بوجه الملالي وتمتد إلى باقي المدن.

ذاكرة ولاية الفقيه القريبة مازالت تحتفظ بكيفية اندلاع انتفاضة سبتمبر 2017 التي لم تنطفئ نيرانها حتى هذه اللحظة بمؤشر استمرارها في العديد من التظاهرات المهنية والتجمعات، أو ما يتبلور منها في فعاليات حرق صور الخميني وخامنئي، وهما رمزا المأساة الإيرانية، أو كتابة ورفع الشعارات الساخطة عليهما. تلك الانتفاضة امتدت حينها إلى مدينة البصرة ومدن جنوب العراق في دلالات حضرت أيضا في الأيام الأخيرة وبذات المضامين، بما يؤكد أن ثمة وجهين متنافرين يتربص أحدهما بالآخر أو معسكرين لا بد أن ينتصر أحدهما في النهاية رغم أن حتمية التاريخ كانت دائما مع الشعوب.

الشعوب الإيرانية، ومعها شعب العراق وكذلك شعوب المنطقة، أيقنت أن لا سلام ولا أمن واستقرار مع وجود تنظيم إرهابي تمكن من الاستيلاء على دولة بمقومات إيران، وصار راعيا لمعظم التنظيمات المتطرفة وبالوثائق والأدلة والميليشيات والبرامج المتخلفة في إشاعة العنف وتسويق الانتهاكات.

التوجيهات صدرت لقوات الحرس الثوري وإلى كافة الأجهزة الأمنية في إيران أو خارجها وبأعلى درجات الحذر وبسلسلة تعليمات من أعلى مصادر النظام بصلاحيات إطلاق النار أو الاعتقال والاحتجاز التعسفي، لمعرفة النظام أن الحرب مع الولايات المتحدة سيخوضها مع الشعوب الإيرانية التي تغلي بسبب التفريط لأربعة عقود ماضية بثروات البلاد البشرية والاقتصادية لغايات تصدير الثورة بدعم الميليشيات والمرتزقة لخلق الفتنة الطائفية أو توفير أدوات تمزيق الأمة العربية والإسلامية من أجل مشروع الولاية الإمبراطورية.

الورطة الإيرانية كانت في انسحاب إدارة دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي جاء بعد تداعيات الانتفاضة الشعبية والتفات المجتمع الدولي إلى غياب حقوق الإنسان ليس في صيغ النظم الديمقراطية الغربية إنما في حق الحياة، ونعني بها اشتراطات الحد الأدنى من أسباب العيش المرتبطة بالطعام والمأوى وحق العمل، مع تجارب مريرة من التعذيب والإعدامات الجماعية وإهدار ونزف الأموال في ميزانية إنفاق على أحزاب وقوى مسلحة وشبكات إعلام وعلاقات فرطت بما تبقى من مساحة الثقة بين النظام الحاكم في طهران وبين الشعوب الإيرانية.

بعد سنة على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تم إقرار تصفير الصادرات النفطية، دون أن يكون التصفير بقرار ملزم على الجانب الإيراني إنما في تأثير السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة على الدول المستوردة، وهذا بحد ذاته يضع نظام الملالي في سياقات دوره ومحدودية أدواته خاصة بعد تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية وبحلقات متصلة لتوسيع نطاق العقوبات من المؤكد أنها بمثابة ضربات أكثر تأثيرا من الضربات العسكرية المحدودة التي تحاشتها إدارة ترامب لأن عدم الرد يمنح المجتمع الدولي والإنساني رؤى أعمق وأكثر قربا من حقيقة الإرهاب الإيراني، ويفسح المجال لاندلاع انتفاضة شعبية على نظام بات يطلق النار على أقدامه وأذرعه، وصار من الصعب عليه التراجع إلى طاولة مفاوضات يعلم جيدا أنه سيدفع مقابلها مشروع تنظيم دولته الإرهابية وبالتالي تغيير النظام.

المرشد علي خامنئي الذي طالته العقوبات شخصيا، مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف وعدد من قادة سلاح البحرية الإيراني، يتوجس من دور المقاومة الإيرانية التي وجدت لها ثغرة حتى في بعض مفاصل الحرس الثوري من ضباط ومنتسبين أدت إلى إشهار إعدام أحدهم بتهمة التجسس، رغم أن الأرقام وبشهادة النظام تتعدى ذلك بكثير، عدا عن الخلافات بين قادة الحرس وقادة الجيش بسبب التهميش والإقصاء والرقابة على الرسائل التي تشي بمخاوف النظام من انهيار دعاماته الأساسية.

خامنئي يسترشد بما تلقاه من محاباة الرئيس السابق باراك أوباما وتطمينات إدارته وانحيازها لنظامه، ثم حدث ما يوعزه المرشد من انتفاضة 2009 أو الثورة الخضراء لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويقارنها بما يمكن أن يحصل في ظل الانسحاب من الاتفاق النووي والعقوبات على عهد إدارة الرئيس ترامب ومواقفها من نظامه.

أما في العراق فإن النظام السياسي يسترشد بولاية الفقيه التي ترسل المزيد من الإشارات اللوجستية والدعائية تحت سقف التعاون بين البلدين، كالدعوة إلى المناورات العسكرية المشتركة، أو بتقديم الدعم في المجال الجوي للإيحاء بانتفاء الحاجة إلى الغطاء الجوي لقوات التحالف في العراق أو بإفشائها لمعلومات يفترض أنها سرية في تسليح ميليشيات حشدهم الشعبي بالدبابات.

النظام الحاكم في إيران خسر الشعوب الإيرانية، لذلك يلجأ إلى ترميم علاقته بها بالمزيد من العمليات الإرهابية ودون فواصل استراحة، ليقول لها إنه يقاتل من أجل تخفيض العقوبات لأنها سبب الفقر والتدهور رغم أن إسقاط طائرة الدرون أدى إلى كارثة اقتصادية أخرى بامتناع شركات الطيران المدني عن التحليق في الأجواء الإيرانية. الحماقات كالمعتاد ستأتي بالأسوأ.