عمق الأزمة وغياب الثقة بين أهل الحكم، وخصوصاً برئيس التيار الوطني الحر، تستدعي علاجات جذرية تبدأ بمبادرات من أعلى المراجع السياسية في البلد.
 

على الرغم من الإجتماع المطول بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل في بيت الوسط منذ أيام والذي أسهم نسبياً في سحب فتيل الانفجار الذي بلغ ذروته نتيجة بعض المواقف التي أطلقها وزير الخارجية وبرّدت إلى حدٍ ما الاجواء المشحونة عشية جلسة مجلس الوزراء، وبرغم التجاوب الذي أبداه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع جوهر رسالة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بنقاطها الثلاث الذي ضخّ نسبة لا بأس بها من الارتياح في الوسط المسيحي الذي يخوض طرفاه الاساسيان التيار الوطني الحر بشخص رئيسه والقوات اللبنانية حرباً باردة مسرحها مواقع التواصل الاجتماعي الملتهبة بالتغريدات النارية، ومع أيضًا ان جبهة التيار الاشتراكي هادئة منذ مدة بفعل انشغال الزعامة الجنبلاطية بسجالها مع الرئيس الحريري الذي دخل على خط فرملته رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأيضًا وأيضًا أن جبهة التيار أمل لم تشهد أي معركة منذ مدة بفعل نجاح جهود الحليف المشترك، حزب الله، علمًا ان عناصر حزبية ازالت اعلام التيار من احدى قرى الجنوب واستبدلتها بأعلام الحركة، لكنّ أيضًا والمثبت بالعين المجردة، ان هذه اللقاءات السياسية القيادية لم تعد تعطي النتائج المرجوة كما في السابق على المستوى الشعبي.

إقرأ أيضًا: إدارة البلد محكومة بالحسابات الضيقة والنتيجة نحو الهاوية

ما يدور في الشارع على مستوى الوطن بشكل عام، يؤكد، كما يقول مراقبون، ان الأمور ليست على ما يرام ولا يمكن ان تستكمل على هذا النحو. فبمجرد معاينة ميدانية بسيطة لما تحمله منصات التواصل الإجتماعي من مواقف وأراء، تشتعل بسرعة البرق على خلفية كلمة او عبارة لهذا المسؤول او ذاك، وتندلع اشتباكات سياسية تكاد لا تتوقف، يستخلص المرء مدى الاحتقان الذي يشحن نفوس اللبنانيين مهددًا بتحوله إلى فتنة في أي لحظة.

ازاء هذا الواقع، يضيف هؤلاء، لم تعد المسكنات ولا الجرعات الموضعية التي يتم ضخها في عروق العلاقات بين القوى السياسية ذات جدوى، فالجمر المتّقد تحت نيران المواقف الفتنوية والاستفزازية بات يتهدد بسحب ورقة الشارع من يد القيادات ودخول مغرضين على خط استخدامها، خصوصًا أن التربة الخصبة مهيأة لإذكاء نار الفتنة واشعالها في أي لحظة.

فالمطلوب، بحسب المراقبين، صحوة وطنية كبرى تضع حداً للانزلاقات الخطيرة التي تتجه البلاد نحوها بسرعة قياسية والا فإن السقطة التي يخشاها اللبنانيون اقتصاديًا وماليًا قد لا تكون كذلك وما انتظروه من الشرق سيأتيهم من الغرب على صهوة الفتنة المتنقلة.

إقرأ أيضًا: لبنان والحرب الأميريكية الإيرانية

واذا كانت القواعد الشعبية المسيحية تلتزم الى حد ما بتوجيهات معراب وميرنا الشالوحي وبكركي للتهدئة بعيد كل جولة تصعيد، فإن الشارع الاسلامي قدلا يكون كذلك، حيث تتحدث أوساط اسلامية عن استياء عارم في هذا الشارع من المحاولات المتكررة لاستهدافه وهو ما دفع الرئيس الحريري اثر عودته من عطلة الفطر إلى عقد مؤتمره الصحافي الشهير وتسمية الأشياء بأسمائها ايذانًا بنمط جديد من الممارسة والتعاطي مع محاولات استفزاز هذا الشارع.

وتؤكد هذه الأوساط أن عمق الازمة وغياب الثقة بين اهل الحكم، وخصوصاً برئيس التيار الوطني الحر، تستدعي علاجات جذرية تبدأ بمبادرات من اعلى المراجع السياسية في البلد لوضع حدٍ لمرة اخيرة للخطاب السياسي الفتنوي المتنقّل بين المناطق اسبوعيا وتعبئة الشارع، وتاليا العودة الى الثوابت الوطنية ومرجعية الدولة ومؤسساتها.

من خلال الالتزام بتطبيق الدستور بعيداً عن الاستنسابية والمصالح الضيقة وبهذه الحال يبرز السؤال الملح عن المصلحة بالابتعاد عن تطبيق الدستور وفي عدم تحرك هذه المراجع ازاء ما يجري لوقف حقن الشارع بهذه المواقف قبل بلوغ نقطة اللا عودة، حيث يصبح الندم من دون جدوى، فهل ان مطلقيها باتوا اكثر قدرة من المسؤولين الحكماء وتفوقوا على العقلاء، ليدفعوا البلاد الى السقوط بالهاوية قد يسعى اليها البعض لغايات في نفس يعقوب، فليتقوا الله بهذا البلد واهله.