يتابع وفد صندوق النقد الدولي الذي وصل قبل يومين إلى بيروت جولاته على المسؤولين ولسان حاله إقرار الموازنة العامة متضمنة الإصلاحات التي تعهد بها رئيس حكومة لبنان للدول التي شاركت في مؤتمر «سيدر» والتي على أساسها وعدت هذه الدول بمنح لبنان هبات ومساعدات تعدت الأحد عشر مليار دولار أميركي لإصلاح بناه التحتية وتشغيل حوالى المائة ألف عاطل عن العمل، إضافة إلى تحريك العجلة الاقتصادية المتوقفة بسبب الخلافات السياسية الداخلية وسوء الإدارة كون هذه الإصلاحات ضرورة حتمية لإيفاء تلك الدولة التزاماتها المالية تجاه لبنان.

رئيس البعثة الدولية كان واضحاً وصريحاً في التأكيد على هذا الأمر خلال اجتماعه مع وزير المال علي حسن خليل وعلى ضرورة إسراع مجلس النواب في اقرار الموازنة التي جرى العمل فيها لخفض العجز إلى 7.6٪ والاستجابة للمتطلبات الدولية اقتصادياً ومالياً كونها تشكّل في الواقع جزءاً فقط مما هو مطلوب من الدول المانحة لفتح خزنة المساعدات وذلك في حال استكملها لبنان بالتزامه بالأجندة السياسية التي طلبت هذه الدول من لبنان الالتزام بها، وهي تطبيق سياسة النأي بالنفس فعلياً وعملياً ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله ومصادره فعلياً وعملياً وليس بالتصريحات، والعمل في ذات الوقت على حصر السلاح بيد الدولة دون سواها وذلك بوضع استراتيجية دفاعية والالتزام بتنفيذها، وسمع المسؤولون اللبنانيون من وفد صندوق النقد الدولي الذين التقاهم حتى الساعة دفتر الشروط هذه، والسؤال عن الأسباب التي جعلت المسؤولين اللبنانيين يمتنعون حتى عن الشروع تطبيقها علماً بأن الوفد اللبناني إلى مؤتمر «سيدر» تعهد بالنأي بالنفس من جهة وإطلاق حوار وطني للاتفاق على استراتيجية دفاعية تضع حداً لحيازة قوى غير شرعية على ترسانة أسلحة تضاهي ترسانة الجيش اللبناني، كذلك فعل رئيس لبنان في أكثر من مناسبة وفي غير مرّة، وأكد غداة تشكيل الحكومة الحالية في آب 2018 عزمه على الدعوة إلى حوار وطني حول الاستراتيجية الدفاعية وحتى الساعة لا تزال هذه التعهدات معلقة.

وحسب ما تسرب عن محادثات وفد البنك الدولي مع المسؤولين اللبنانيين، لم يحصل الوفد على أجوبة مقنعة، تريح الدول المانحة وتشجيعها على الايفاء بتعهداتها تجاه لبنان وخصوصاً بعد التطورات الدراماتيكية التي تشهدها حالياً منطقة الشرق الأوسط والتي رفعت بعد أحداث مضيق هرمز منسوب المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة الأميركية ومعها الدول الأوروبية ودول الخليج العربي والدولة الإيرانية. وأذرعها العسكرية في المنطقة وبينهم تحديداً حزب الله اللبناني.

هذه التوجهات التي كشف عنها وفد البنك الدولي تترك انطباعاً عاماً بأن الجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية من خلال الموازنة وغيرها ذهبت أدراج الرياح، وذهبت معها المساعدات التي أقرت في مؤتمر «سيدر»، ما من شأنه أن يضع لبنان مجدداً أمام مخاطر كبيرة أقلها الانهيار الاقتصادي وسقوط الهيكل على رؤوس الجميع من دون أي استثناءات، خصوصاً وأن الفرصة التي كانت مؤاتية للحكومة اللبنانية للإيفاء بالتزاماتها تجاه الدول المانحة لا سيما على صعيد الإصلاحات الهيكلية وفي مقدمها خفض العجز وعلى الصعيد السياسي لجهة التزامها فعلياً بسياسة النأي بالنفس ووضع استراتيجية دفاعية تحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها دون سواها، لم تعد كذلك، بعد التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.