«أقسم بالله العظيم أن أقوم بعملي في المجلس الدستوري بكل أمانة وتجرّد وإخلاص متقيّداً بأحكام الدستور وأن أحرص على سرّ المذاكرة، الحرصَ المطلق». هذا هو قسَم اليمين الذي يؤديه أعضاء المجلس الدستوري أمام رئيس الجمهورية بعد تعيينهم. وبعد سنوات على انتهاء ولاية المجلس الحالي ينتخب مجلس النواب اليوم خمسة أعضاء من عشرة يشكلون هذا المجلس. ويتخوّف معارضو التسوية الرئاسية التي أدت إلى «محاصصة شاملة» في التعيينات من أن تشمل المجلسَ الدستوري أيضاً فينتفي دورُه، وبالتالي تُشرَّع ممارسة الحكم الحالية وتُطلَق يدُ الأفرقاء في مخالفة القوانين والدستور.
 

المجلس الدستوري هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية تتولى مراقبة دستورية القوانين، والبتّ في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. ويتألف المجلس من عشرة أعضاء، يعيّن نصفهم مجلس النواب والنصف الآخر مجلس الوزراء. أما مدة ولاية أعضاء المجلس فست سنوات غير قابلة للتجديد ولا للاختصار.

إنتخابٌ أو محاصصة؟

وفق قانون إنشاء المجلس الدستوري يتم اختيار أعضائه العشرة من بين قضاة الشرف الذين مارسوا القضاء العدلي أو الإداري أو المالي، أو من بين أساتذة التعليم العالي الذين مارسوا تعليم مادة من مواد القانون أو العلوم السياسية أو الإدارية، أو من بين المحامين الذين مارسوا مهنة المحاماة، وفق شروط محددة.

ويعقد المجلس النيابي جلسة انتخاب حصّة مجلس النواب الخماسية ‏في المجلس الدستوري اليوم. ومن المُرتقب أن يدعو رئيس مجلس النواب قبل الجلسة الى اجتماع لهيئة مكتب ‏المجلس، لتحضير أسماء المرشحين لعضوية المجلس الدستوري‎.‎

ويجرى الحديث عن تسوية ومحاصصة بين عدد من الكتل النيابية حول أسماء الأعضاء الخمسة، إذ إنّ هيئة مكتب ‏مجلس النواب ستجتمع اليوم مباشرة قبل جلسة الانتخاب فيما أن الأصول كانت تقضي بإجتماعها قبل فترة من الجلسة الإنتخابية لحصر المرشحين، ما يدلّ حسب معارضين على «طبخةٍ ما» يجرى تحضيرها. كذلك، يشير هؤلاء إلى أن في العادة كانت تجتمع لجنة الإدارة والعدل النيابية بالمرشحين وتقوّمهم وتبدي رأيها بالترشيحات وتطرح أسماء، وهذا ما لم يحصل أو لم يُعلن عنه.

وفي حين تنكر كتل نيابية اتفاقها المسبق على أسماء الأعضاء، يبدو أنّ هناك كتلاً أخرى غائبة تماماً عن الإتفاق على هذه العملية الإنتخابية. ووضع البعض إيفاد رئيس حزب «القوات اللبنانية» موفداً إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس في هذا الإطار.

«الكتائب» يترقّب

أمّا بالنسبة إلى حزب «الكتائب اللبنانية» المُعارض الأول في مجلس النواب وللتسوية الرئاسية في 2016 وما تلاها من تسويات ومحاصصات واتفاقات، فيُعدّ من أكثر المُحتكمين إلى المجلس الدستوري، ومن تجارب «الكتائب» مع المجلس الحالي، تقديم طعنين في قانوني الضرائب والكهرباء. وتقول مصادر «الكتائب» لـ»الجمهورية» إنّ «المجلس كان خطّ دفاع ولو بالحدّ الأدنى عن القوانين ودستوريتها».

وعن عملية إنتخاب مجلس النواب للأعضاء الخمسة في المجلس الدستوري اليوم، تقول هذه المصادر: «إنها غير واضحة، وننتظر ما سيظهر اليوم وعلى أيّ ترشيحات سيرسون، وهل ستكون هناك عملية انتخاب أم فرض».

ويعتبر «الكتائب» أنّ «المجلس الدستوري ركن من أركان الحفاظ على الدستور والمؤسسات في البلد»، لذلك يجب أن يُشكّل مجلساً من المتخصصين القادرين على تحمُّل المسؤولية بعيداً من السياسة فالمجلس الجديد ينتظره كثير من العمل حسب مسار الأمور المُعتمد من السلطة».

وإذ تشير مصادر «الكتائب» إلى أنّ «المجلس النيابي الذي من مهماته مراقبة الحكومة ومحاسبتها، إنبثقت عنه حكومة كناية عن «ميني مجلس نواب»، وبالتالي لم يعد قادراً على المحاسبة»، تعتبر أنّ «من الخطورة تشكيل مجلس دستوري مصغّر عن مجلس النواب والحكومة، في وقت من المفترض أن يكون مجلساً مصغراً عن الدستوريين والقانونيين ورجال العلم». وتؤكّد أنّ «تعيين أعضاء المجلس الدستوري إذا تبيّن أنه جزء من صفقة التسوية فسيشكّل مصيبةً كبيرة»، آملة أن «يكون هناك حدّ أدنى من إدراك خطورة التلاعب بهذا المجلس، وأن لا تكون هناك نية لدى الأفرقاء السياسيين بتعيين مجلس قادرين على ترويضه واستخدامه للتصديق على مخالفاتهم للدستور».

الرئيس يختار رئيس المجلس الدستوري!

وفي حين تطغى اللعبة السياسية على المسار الدستوري، اُنشئ المجلس الدستوري لضبط هذه العملية، فقبل «اتفاق الطائف» وإجراء تعديلاتٍ على الدستور، لم يكن هناك مجلس دستوري.

ويقول المرجع الدستوري الوزير والنائب السابق إدمون رزق، المُشارك في صوغ «إتفاق الطائف» لـ»الجمهورية» إنّ «تشكيل مجلس دستوري كان مطلباً مزمناً لمراقبة دستورية القوانين، منعاً لصدور قوانين تخرق المبادئ الأساسية المكرَّسة في الدستور و»الطائف».

وفي حينها استأنس المشرّعون بنظام المجلس الدستوري الفرنسي، وعلى غرار غالبية الدول التي تعتمد نظام المجالس الدستورية يعتمد لبنان المشاركة بين مجلسي النواب والوزراء في تأليف المجلس الدستوري. ويشير رزق إلى أنّ «الخلل يكمن في التطبيق لا في طريقة إنتخاب وتعيين أعضاء المجلس».

وفي تقويمٍ لعمل المجلس الدستوري منذ التسعينات إلى اليوم، يرى رزق «أنه سجّل مواقف بإبطال بعض القوانين». وإذ يشدّد على «ضرورة إعادة الإعتبار إلى المقياس الدستوري: الكفاءة والإختصاص»، يذكّر بأنّ «المهمة المناطة بالمجلس الدستوري مهمة دقيقة وهي الحفاظ على بنية الدولة، ولا يجوز أن يكون المجلس الدستوري تابعاً لأحد لأنه يشكّل مرجعاً للإحتكام ويجب أن يكون أعلى من كل الأفرقاء لا أن يكون فريقاً».

أمّا بالنسبة إلى رئيس المجلس الدستوري فينتخبه أعضاء المجلس المعيّنون من مجلسي النواب والوزراء بعد أدائهم قسم اليمين أمام رئيس الجمهورية. ودرجت العادة أن يكون مُتفقاً على الرئيس الذي سيُنتخب ويكون مارونياً. وهناك ميل إلى أن يطرح رئيس الجمهورية اسم عضو ماروني ليكون مرشحاً لرئاسة المجلس، وفي العادة يُحترم خيار الرئيس على رغم من أنّ هذا الأمر ليس حقاً مُكرَّساً له في الدستور والقانون.

وفي هذا الإطار، يوضح الوزير والنائب السابق بطرس حرب لـ»الجمهورية» أنّ «المشكلة لا تكمن بالتفاهم على أعضاء المجلس الدستوري بل بعنصر الخيار، الذي يجب أن يكون أساسه مَن الأفضل لهذا المركز الخطير والمهم وليس مَن يؤمّن مصالح الأفرقاء السياسيين». ويقول: «إذا طاولت المحاصصة السلطة القضائية وأصبحت عرضة لأن يتوزعها الأفرقاء السياسيون فحينها ستسقط الدولة نهائياً».

وإذ يُعتبر المجلس الدستوري أعلى هيئة قضائية في لبنان، هناك حاجة مُلحّة لتعزيز إستقلاليته ودوره، خصوصاً في مرحلةٍ تغيب فيها الرقابة على السلطة ومحاسبتها، وعلى رغم ذلك يستبعد البعض أن يصل أشخاص إلى أيِّ مركز في الدولة من خارج التركيبة السياسية الحالية القائمة.