سياسة باسيل أعادت عقارب السّاعة إلى ما قبل حرب التحرير والإلغاء
 
يستفيد رئيس "التيّار الوطني الحرّ" ووزير الخارجيّة جبران باسيل، من وجود عمّه العماد ميشال عون في سدّة رئاسة الجمهوريّة لِفَرض سيطرته على مؤسَّسات الدّولة الفاعلة كالقضاء والجيش ومصرف لبنان ووزارة الخارجيّة بحجّة "إستعادة حقوق المسيحيّين المهدورة"، إنّما في الباطن يبقى الهدف الأساسي الوصول إلى قصر بعبدا ولو تطلّب الأمر ضرب اتّفاق الطائف و"التسلبط" على صلاحيّات رئيس الحكومة سعد الحريري مُتذرّعًا بـِ"التسوية الرئاسيّة"، ليتبين أن سياسة باسيل أعادت عقارب السّاعة إلى ما قبل حرب التحرير والإلغاء.
 
على قائمة سياسة باسيل عقائد لِبناء خطاب تعبويّ، فئويّ من الطراز الرفيع، وبدأت معَالم الخطاب تظهر عبر مواقع التواصل الإجتماعي من خلال التجييش الإلكترونيّ إذا صحّ التعبير، فيلاحظ البعض أنّه يُبالغ في الكلام عن حقوق المسيحيّين، وأخرون انطلقوا بالحديث عن المُناصفة، إذ أظهرت الأرقام خلال الإنتخابات النيابية المنصرمة أنّ 26 في المئة هي نسبة المسيحيّين من المُجتمع اللّبنانيّ.
 
ويرى الصحافي عماد الشدياق، أنّ هذا الكلام يحملُ في طيّاته خطورة، فمنذ إتّفاق الطائف وحتى اليوم رضي المسلمون والمسيحيّون بتقاسم مراكز الدولة، غير أنّ باسيل وبحجّة شدّ العصب وكسب الشعبيّة المسيحيّة، يعمد إلى العزف على الوتر الطائفي، وإذا استمر على هذا المنوال فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج غير مرجوّة. 
 
ويعتبرُ أنّ المغالاة ستؤدي الى إنهيار اتفاق الطائف لمصلحة المُثالثة التي باتت اسباب طرحها على الطاولة جاهزة، لكن الطامحين لها حتى الساعة لا يملكون جرأة المجاهرة بها، موضّحًا أنّ المُثالثة تُخسِّر الطائفة المسيحيّة النصف الصافي لِمصلحة الثلث وعمليًّا تُربّح الطائفة السنّية، وفي ظلّ جوّ الإحباط المُخيّم في الداخل السنّي سيُشكل نوعًا من منفس بدلًا من أن يكون السنة في حالة الغبن، أيّ أنّ المثالثة ستكون حتمًا وحصرًا على حساب الطائفة المسيحيّة لأنّ الرابح سيكون الشيعيّ والسنّي تلقائيًّا، لذلك خطاب باسيل يُشكّل خطرًا حقيقيًّا.
 
 
توازيًا، يُلخّص رئيس قسم المحلّيات في جريدة "نداء الوطن"، السيّد محمد نمر، مشهد السياسة الباسيليّة على أنّها قائمة على إثارة الخلافات مع الأفرقاء اللّبنانيّين أوّلًا، وثانيًا من خلال إثارة النعرات الطائفية والعصابيّات واستفزاز الأطراف، واصفًا علاقة باسيل بالأفرقاء كافة في الداخل بـ"الخلافية"، مُستشهدًا بعلاقة باسيل مع "حركة أمل" المتضررة منذ ما قبل التسوية وبعدها، وآخر تجاوزاته كانت خلال فترة مناقشة الموازنة عبر تعدّياته على صلاحيّات وزير المال علي حسن خليل، فضلاً عن خلافه مع "القوات اللبنانية" وخروجه من اتفاق إعلان النيات والمصالحة المسيحية، من أجل الاستفراد بالحصص المسيحية وتحقيق غايات سياسية فئوية تنقله إلى كرسي رئاسة الجمهورية بعد ثلاث سنوات. 
 
أمّا عن علاقة باسيل مع "تيّار المستقبل"، فيلاحظ نمر أن باسيل لا يترك فرصة إلا ويحاول فيها تجاوز صلاحيات رئاسة الحكومة، فضلاً عن الحالة الفتنوية التي حصلت جراء تصريحاته عن الحريريّة والسنّية السّياسيّة، والتي نفاها متأخراً، كلها وضعته في خلاف مع البيئة السنية و"المستقبل"، ونضيف إلى هذه الخلافات أيضاً خلافه مع "تيار المردة". ويبدو جليًّا أنّ الجدل الذي يعمدُ على إثارته باسيل، أصبح أيضًا حاضراً داخل تيّاره السّياسيّ من خلال إصداره إقالات جماعيّة، فبات يصنع بيئة داخليّة ترفضه وتعارض نهجه، حتى هناك تقارير عن أن الخلافات وصلت إلى عمق العائلة الواحدة التي تدور حول موقع رئاسة الجمهورّية.
 
ويعتبرُ نمر، أنّ باسيل يقود عمله السياسي تحت شعار حقوق الطائفة المسيحيّة وحقيقةً هو يأخذ المسيحيين إلى مكانٍ لا يُشبههم إطلاقًا، مُشيرًا إلى أنّ رئيس التيّار بهذه الطريقة يُشوّه موقع رئاسة الجمهوريّة ويُضعفه، خصوصًا عندما يكون القرار الأوّل والأخير هو لـِه وليس للرئيس الحقيقي، داعياً رئيس الجمهورية إلى وضع الحد لتصرفات باسيل، لما من أهمية لموقع الرئاسة فهو الوحيد الذي كرّمه الدستور بأن يكون الحامي له والحكم.
 
ويُعلّل نمر، تصرّفات باسيل إلى أنه يخوض معركة رئاسيّة مُبكرة ويحضّر لما بعد "عهد عون"، مُعتبرًا أنّ خلاف باسيل مع الأطراف تيعزّز شراكته الوحيدة مع حزب الله، ويشير إلى أن العلاقة ليست أبدية بين الطرفين فهي قد تشهد مطبات كثيرة، ولا نعلم كيف سيكون شكلها بعد 3 سنوات، وما جرى في بعلبك منذ يومين من استقبال باهت دليل على أن العلاقة قد تنفجر في أي وقت، فضلاً ‘ن أن حادثة الحدث  وما قاله رئيس البلدية أعاد علاقة العونيين بالشيعة إلى ما قبل 2007. 
 
ويعترف نمر أنّ باسيل هو شخص ذكي لكنّه يتمتّع بأخطاء عدّة خصوصًا لناحية سياسته القائمة على "أنا أو لا أحد"، وعلى "الدعس على أقدام الآخرين"، متخطياً الدستور واتفاق الطائف، من دون أن يلتزم بحجمه الحقيقي "وزير ورئيس تيار". ويتمنّى نمر على السياسيّين تطويق هذه الحالة وعدم السماح لباسيل متابعة هذا النهج الذي يعيد لبنان إلى الوراء ويُفقد التوازن في الحياة السياسيّة... وإلّا على الجمهوريّة السلام!