وداعاً عصر المواجهات العسكرية، مواجهات عصر الرئيس ترامب بمليارات الدولارات أكثر فعالية وجدوى من الصواريخ الدقيقة والحملات العسكرية الضخمة
 
بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ حوالي عامٍ مضى حرباً اقتصادية ومالية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حصار اقتصادي صارم، وصل إلى ما يدعونه "تصفير" العائدات البترولية لبلدٍ يعتمد اقتصاده على البترول بالدرجة الأولى، وهاهو الرئيس ترامب يُواصل هجومه الإقتصادي على العرب من خلال صفقة القرن، والاقتصاد حاضر بقوة في هذا المشروع الضخم، يكفي أنّ عنوانه "صفقة"، والصفقات عادةً لا يتم عقدها إلاّ ببدل مالي مقابل زواج أو طلاق أو بيع أو عزل أو تنازل، وغالباً ما يرافق الصفقات مظاهر عديدة من الإذلال والإهانة، من قِبل من يتحكّم بالمال المبذول لإبرامها، ومن يُحسن عادةّ استغلال قدراته المادية هو الذي يفوز بالصفقة الرابحة.
 
منذ حوالي العام، ولا حديث يشغل أوساط قادة السياسة والأمن والاقتصاد، فضلاً عن مصير الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته، كما تشغله صفقة القرن "الأميركية"، والتي تطمح وتتوخى "تصفية" القضية الفلسطينية كما يذهب لذلك مُعارضوها، وبدا واضحاً أنّ جوهر الصفقة يكمن في العروض المالية السّخية التي سيحصل عليها المشاركون بها والموافقين عليها، وما إضفاء صفة "القرن" عليها سوى إعطاءها المزيد من الأهمية والصبغة التاريخية. لذا تعالت في أوساط العالم العربي منذ إعلان مشروع هذه الصفقة الكثير من الأصوات الاعتراضية والمحذرة والمتخوفة من تبعاتها الثقيلة على مستقبل الشعب الفلسطيني ومصير وجوده، حتى بتنا على مقربة من عقد مؤتمر البحرين الإقتصادي، المُمهّد الفعلي لصفقة القرن، وتضاربت الأنباء حول من يحضر هذا المؤتمر ومن يغيب.
 
 
المُضحك، والمُبكي طبعاً، ما قاله الكاتب الصهيوني إيدي كوهين في صدد الحضور العربي: سيحضرون وهم "صاغرون"، يبدو كوهين واثقاً جدّاً من حضور العرب، والطريف أنّه يستعمل لغة القرآن الكريم، وصاغرون تعني أنّهم سيحضرون وهم أذلّاء مُرغمون، كما وصف به القران أهل الذّمة الذين يتخلّفون عن دفع الجزية طوعاً، فيُرغمون على دفعها وهم "صاغرون"، وحتى هنا ما زال الأمر هيّناً، فيُضيف كوهين أنّ العرب سيحضرون لأنّ عروشهم وكروشهم في خطر، والكروش كناية عن الحصار الإقتصادي وتجويعها، لذا يلاحظ كوهين أنّ الأردن سيحضر على الرغم من تمنُّعه في السابق، كذلك مصر السيسي (التعبير لكوهين)، كذلك الفلسطينيون سيحضرون بعد الضغوطات التي يتعرضون لها من فخامة الرئيس ترامب( والتعبير لكوهين أيضاً).
 
وداعاً عصر المواجهات العسكرية، مواجهات عصر الرئيس ترامب بمليارات الدولارات أكثر فعالية وجدوى من الصواريخ الدقيقة والحملات العسكرية الضخمة، وهكذا يتعرض العرب مع الإيرانيّين هذه الأيام لحروب اقتصادية ومالية صعبة وخطرة،  وإذ عرفنا الآن نعت صفقة العرب "المهيبة"، فما هو نعت الصفقة القادمة بين الرئيس ترامب وملالي إيران.
 
للمليارات وهجها وبريقها، ولعلّ الحال الآن ينطبق على المثل السائر: "سبق السيفُ العذل"، قال جرير:
 
يُكلّفني ردّ العواقبِ بعدما
سبقْنَ كسبق السيف ما قال عاذلُهُ.