تحت عنوان الثلثاء 18 حزيران الساعة 14,21 لحظة تستحق الدرس، كتب انطوان فرح في "الجمهورية": لا يمكن الرهان على النتائج التي قد تخرج بها موازنة 2019 للقول انها بداية الطريق نحو الخروج من الأزمة. ومن دون العودة الى تطبيق المعايير الاقتصادية العلمية العالمية، عبثاً نبحث عن حلول غير موجودة في الدائرة التي ندور فيها.

تواصل لجنة المال والموازنة النيابية مناقشة تفاصيل مشروع موازنة العام 2019. وهناك انقسام في البلد في شأن جدوى هذه المناقشات التي امتدّت لوقت طويل، قياساً بالنقاط التالية:

اولاً - يحتاج الاقتصاد الى إنعاش سريع. ولا يمكن التقليل من أهمية عامل الوقت في أي عملية إنقاذ.

ثانياً - تفقد الموازنة في مضمونها قيمتها كلما مرّ يوم اضافي من العام 2019، لأنّ التقديرات الواردة فيها سواء لجهة الانفاق او الايرادات تصبح بعيدة من الواقع.

ثالثاً - انّ الاطراف السياسية الممثلة في الحكومة ممثلة في لجنة المال، وفي المجلس النيابي عموماً الذي يشارك اقل من نصف أعضائه بقليل في مناقشات اللجنة. وبالتالي، هناك علامات استفهام عن الاسباب التي قد تدفع الى أن تغيّر هذه الاطراف مواقفها وتنقلب على نفسها في المجلس.

لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن حالياً في الوقت الاضافي الذي تستغرقه المناقشات في المجلس النيابي، بقدر ما تكمن في النتائج الهزيلة التي قد تخرج بها الموازنة بعد كل هذه المماطلة وطول الانتظار. وقد بات واضحاً انّ هذه الموازنة لن تغيّر كثيراً في الارقام الصعبة القائمة. والمشكلة تكمن في التوصيف المفقود. اذ هناك حالة من الانكار، المقصود أو غير المقصود، لتوصيف الوضع المالي والاقتصادي، تماماً كما يتعاطى المريض مع مرضه عبر إنكاره، ويؤدّي به الأمر الى الموت.

هذا الانكار هو الدافع الى هذا الاسترخاء غير الطبيعي في التعامل مع كارثة تبدو مقبلة لا محالة. الحل يبدأ بالاتفاق على التوصيف والخروج من حالة الانكار الى الاعتراف بالمرض لمعالجته. يجب القول بصوت مرتفع ان لبنان يحتاج اليوم الى إنقاذ، وليس مجرد تصحيح مسار. بما يعني الحاجة الى اجراءات قاسية وسريعة ومبرمجة لمنع الوصول الى الانهيار، تواكبها خطة تصحيح مسار على المدى البعيد.

ما لا يتنبّه اليه البعض انّ لبنان موضوع على لائحة الدول التي تسير نحو الهاوية منذ سنوات طويلة. ومثل كل الدول التي تصل الى هذه المراحل، يمكن ان تتدخل الدول لمساعدتها. وهذا يعني انّ لبنان خاضع لبرنامج انقاذي منذ مؤتمرات باريس. وإلا كيف نوصّف هذه المؤتمرات؟ أوليست مجرد عمليات تدخّل سريع من قبل المجتمع الدولي لمساعدة لبنان؟ ألا تعني هذه المؤتمرات انّ المجتمع الدولي رأى منذ تلك الحقبة انّ البلد لا يستطيع ان يستمر بلا دعم، وقرر منحه هذا الدعم؟ وعلى طريقة كل التدخلات الدولية لإنقاذ أو مساعدة الدول التي تواجه صعوبات مالية جرى التوافق على خطط اصلاحية وعلى مسار مالي واقتصادي من شأن الالتزام به ضمان الخروج من النفق. لكنّ لبنان الرسمي لم يلتزم بالعلاجات التي جرى وصفها في المؤتمرات الدولية، وتصرفت السلطة باسترخاء ودلع حيال مطالب المجتمع الدولي. وهذا ما يفسّر استمرار التدهور وصولاً الى الوضع الحالي. وفي السياق نفسه، جاء مؤتمر "سيدر"، وهو يندرج ايضاً في سياق مؤتمرات باريس لجهة انه يمثّل ارادة دولية بمساعدة لبنان. ومؤشرات النقاشات في الموازنة اليوم توحي بأنّ لبنان لن يلتزم بعلاجات "سيدر" ايضاً، وقد يخسر فرصته الأخيرة للانقاذ.