اكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لـ»الجمهورية» ان العلاقة بينه وبين الحريري «صلبة وإستراتيجية»، داحضاً ما يقال من ان «القوات» ستخرج من الحكومة في حال عدم اعتماد آلية للتعيينات الإدارية المنتظرة. مؤكّدا الاستعداد للقاء مع رئيس الجمهوررية ميشال عون في اي وقت ومنتقدا مواقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل طالباً ان «يروق على سمانا شوي».
 

* ما هو مستقبل العلاقة بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» بعد الرسالة التي بعثت بها الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهل ثمة زيارة مرتقبة لك الى قصر بعبدا؟

ـ إحدى النقاط التي تضمنتها الرسالة التي وجّهتها الى فخامة رئيس الجمهورية، تتصل بالعلاقة مع «التيار الوطني الحرّ»، وأيضاً تضمنت نقطتين أخريين غاية في الأهمية:

- النقطة الأولى، في ما يتعلّق بالوضع اللبناني الإستراتيجي في الوقت الحاضر، ووجوب أن يستعمل الرئيس عون نفوذه لدى «حزب الله»، ويطلب مع رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي من «حزب الله» عدم القيام بأي خطوة يمكن أن تعرّض لبنان للخطر في ظلّ كل ما هو قائم في المنطقة.

- النقطة الثانية، متعلّقة بالتعيينات على وجه الخصوص، حيث أكّدت له البحث الذي حصل مع رئيس الحكومة في هذا الأمر وعدم ممانعته له. وتمنّيت على رئيس الجمهورية أن يكون موقفه ايجابياً من هذه النقطة لجهة ضرورة اعتماد آلية التعيينات بدلاً من أن تبقى كما كانت سابقاً، فيأتي الوزير بأسماء ويطرحها على طاولة مجلس الوزراء و»تحت باطو اسماء أُخرى». في هذا المجال أقول، إنّ كل الشباب والصبايا اللبنانيين لهم الحق في الوظائف العامة، ولكي يكون لهم الحق بالفعل في الوظائف العامة يجب أن يكونوا على علم بالشغور الموجود وبالشروط الواجب توافرها بالشخص الذي يرغب بالتقدّم الى أي وظيفة، وأن يُترك لهم المجال في أن يتقدّموا بطلبات، مثلما فعل الوزير ملحم رياشي عندما كان وزيراً للاعلام، في ما يتعلق برئيس مجلس ادارة تلفزيون لبنان، حيث اعتمد الآلية كلها، لكن مع الأسف لم تمرّ في مجلس الوزراء.

إن اعتماد الآلية في التعيينات أمر مهم من جهات عدة:
أولاً، من حق جميع الشباب والصبايا ان يحصلوا على الوظائف وأن يصلوا الى مراكز الدولة، فلا تكون حصراً على بعض الأشخاص «يلي قاعدين حول بعض الزعماء». وثانياً والأهم، «تصوّروا أي رسالة مهمّة قد نوجّهها الى الداخل والخارج عن استعادة الثقة بالفعل بالدولة، عندما يرون أنّ التعيينات تتمّ بهذا الشكل، أي بنحو مغاير عمّا كان يحصل في السابق.

* تقصد الآلية التي وضعها الوزير محمد فنيش؟

ـ صح. أو إذا كانوا لا يريدون هذه الآلية يمكن الإتفاق على آلية أخرى، المهم أن توجد آلية للتعيين، بحيث تتمّ التعيينات وفق آلية واضحة يحق لكل الشباب والصبايا اللبنانيين من خلالها أن يتقدّموا بطلبات الترشيح لأي مركز شاغر في الدولة.
أمّا العلاقة مع «التيار الوطني الحر»، فكانت هي الأُخرى احدى النقاط التي تضمنتها الرسالة. وطرح الوزير الرياشي مع رئيس الجمهورية كل ما يحصل على صعيدها، فأكّد له أنّه لا توجد أي إشكالية لـ»القوات»معه. طبعاً لا يوجد رأي موحّد حول كل الأمور المطروحة، لكننا نُكّن كل الإحترام لموقع رئاسة الجمهورية ولرئيس الجمهورية، ونحن من جهتنا نحاول أن نساعده وفق مفهومنا، طبعاً ليس بقناعات أحد غيرنا ولا بعيون أحد غيرنا. هناك من يسأل أين تدعم «القوات اللبنانية» رئيس الجمهورية؟ ونجيب: «القوات» تدعم رئيس الجمهورية بكل شيء، ودعم الرئيس ليس معناه تبني موقف الوزير جبران باسيل في كل نقطة يطرحها.

* يعني أنك تقول إنّ رئيس الجمهورية شيء وباسيل و»التيار الحر» شيء آخر:

ـ صح. لكن اذا كانوا يريدون أن يكون لدينا الموقف نفسه فنحن مستعدون، لكن يجب أن نجلس وننسّق المواقف «قبل بوقت مش انو نكون قاعدين بالبيت وأي شي بيطرحو الوزير باسيل لازم نوافق عليه». البعض يخلط بين هذين الأمرين. وأود هنا لفت الانتباه الى أنّه حتى مع «التيار الوطني الحر» لا توجد أي مشكلة. بالنسبة الينا كانت هناك مشكلة في السابق لكن بعد 2016 انتهت تلك المشكلة وحُلّت، ونحن الآن في مرحلة جديدة، وأكبر دليل، أنّه منذ أسبوعين في التحديد كانت هناك انتخابات نقيب جديد للأطباء فصوّتنا مؤيّدين لمرشح «التيار الوطني الحر»، وانطلاقاً من اتفاق سابق بين أطبائنا وأطباء التيار. وبالتالي لا توجد مشكلة بالتأكيد مع موقع رئيس الجمهورية، بل على العكس نحنا ندعم، لكن تبعاً لقناعاتنا ورؤيتنا للأمور، ولا مشكلة لدينا مع التيار كتيار وطني حر إلاّ بما يتلاءم مع قناعاتنا. لكن للأسف هناك بعض التصرفات التي تحصل من الوزير باسيل، أكانت تصريحات أو أقوالاً أو أفعالاً أو خطوات لا نقبل بها، مثل «محاولة مصادرة كل التعيينات لمصلحته». نحن لا نقول له إننا نرفض مصادرته للتعيينات بهدف أن نأخذ نحن النصف وهو النصف، بل نقول له إعتمد الآلية.

أما اذا كان سيحصل لقاء بيني وبين فخامة الرئيس، فكل ساعة حاصل لقاء بيني وبين الرئيس عون، لكن هناك ترتيبات لوجستية ووقتاً متيّسراً وغير متيّسر ومواضيع للبحث.

* كيف ترى الوضع في المنطقة، وهل هي مقبلة على حرب في ظل التوتر السائد بين واشنطن وطهران وفي ضوء المناورات الاسرائيلية الأخيرة التي حاكت حرباً في لبنان؟

ـ لا أستطيع أن أتكهن إن كانت ستحصل الحرب أم لا، التوتر في المنطقة يشي في مكان ما بإمكانية الوصول الى اشتباك عسكري أو الى حرب، هذا الجو موجود. وأكثر من تصريح صدر عن مسؤولين في «حزب الله» وأكثر من تحليل لمحللين قريبين من الحزب، يقول إنّه في حال اندلاع أي نزاع عسكري بين ايران وأميركا فإنّ «حزب الله» لن يقف ساكتاً. إنطلاقا من هذه النقطة تكلمت مع رئيس الحكومة بالدرجة الاولى ورئيس الجمهورية في الوقت عينه، وقلت بكل صراحة إنّ هذا الأمر غير مقبول. نتمنى أن لا تندلع الحرب في المنطقة وأن لا يتعرّض أحد للأذى. اذا اندلعت الحرب وتعرّضت ايران وغير ايران، فنحن لا ينبغي أن نُدخل لبنان في هذه الحرب أبداً، ويجب أن يكون قرار الحرب، وخصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة، كلياً في يد السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.

* هناك من يقول انّ «القوات» إذا لم تحصل على حصّتها في التعيينات فأنّها ستخرج من الحكومة وربما يخرج معها «الحزب التقدمي الاشتراكي» وغيره، هل انتم في هذا التوجّه؟

ـ لا. في هذه المرحلة لا يجب أن نتحدث في هذا الموضوع، بل يجب أن نبحث كيف ندعم أكثر وأكثر ركائز السلطة والدولة. خيارنا هو أن نكمّل حتى النهاية في نزاعنا ونضالنا لوضع آلية للتعيينات. وبصراحة كل الموضوع أصبح الآن متوقفاً على رئيس الجمهورية. فرئيس الحكومة لا مانع لديه وبالتالي، يكفي أن لا يمانع رئيس الجمهورية ويمشي بآلية التعيينات فينتهي الأمر، بحيث نصبح بذلك قوة سياسية كبيرة وقوة عددية كبيرة تؤيّد آلية التعيين، أما اذا لم يمش رئيس الجمهورية بآلية التعيين فنحن مضطرون في هذه الحال الى محاولة أن نستجمع أكثرية معينة لاعتماد هذه الآلية.

* أي لن تستقيلوا من الحكومة؟

لا، لا، لا. التعيينات بالنسبة الينا هي مسألة مبدئية، وليس أن نأخذ 10 مقاعد أو 3 أو 7 أو غير ذلك، المسألة مبدئية. ويُخطئ من يعتقد أنّه يربح قوة سياسية من خلال التعيينات، من الجريمة التلاعب بالتعيينات داخل الدولة، ومن الجريمة استخدام التعيينات لتعزيز قوة سياسية. قوتك السياسية تعززها بعملك الجيد.

* هناك من يقول إنّ اهتزاز العلاقة بين «التيار الوطني الحرّ» و»القوات اللبنانية» سببه تطور العلاقة ايجاباً بين «القوات» وتيار «المردة»، وإنّ الموضوع له علاقة بانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة. فاتفاقك مع الرئيس عون أوصله الى رئاسة الجمهورية، والوزير باسيل الطامح للرئاسة يخشى ان يكون الاتفاق الذي حصل بينك وبين رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لهذه الغاية؟

ـ لا، الأمر بعيد جداً. موضوع المصالحة بيننا وبين الوزير السابق فرنجية بعيد جداً عمّا تطرحه أوساط «التيار الوطني الحر»، بل له علاقة بمشكلة مزمنة قائمة، كانت مسممة للجو في الشمال، وخصوصاً بين قضاءي بشري وزغرتا، وكان الوقت حان لإنهاء هذه المشكلة كواحدة من ذيول الحرب. فالحرب انتهت منذ 30 عاماً، وهذه المشكلة كانت لا تزال قائمة، وجرت مفاوضات مستفيضة على مدى سنتين لتذليلها، ما يعني أنّ الأمر لا علاقة له برئاسة الجمهورية، بل لمعالجة المشكلة القائمة، وهذا كان عين العقل وعين الصواب بإنهاء هذا الجو المسموم. واتفقنا على أن يبقى كل طرف على موقفه السياسي في مكانه وهذا ما حصل، وبالتالي فإنّ المصادر في «التيار» التي تقول هذا الكلام بعيدة كل البعد عمّا جرى بيننا وبين تيار «المردة».

* لكن «التيار»، وحتى أفرقاء آخرين، يقرأون إتفاقكم مع «المردة» هذه «القراءة الرئاسية» إذا جاز التعبير؟

ـ هذه قراءة غير صحيحة لا علاقة لها بالذي حصل. فهذه القراءة في مكان والواقع في مكان آخر مختلف تماماً، عدا عن أننا ما زلنا بعيدين 3 سنوات وأكثر عن انتخابات رئاسة الجمهورية، فمن المبكر جداً ان يتم التفكير برئاسة الجمهورية. ومن المعروف أن الاسبوع في السياسة وقت طويل، فكيف الحري 3 سنوات وأكثر..

«من هون ورايح»
* لكن المشكلة أنّ هناك من هو مستعجل الوصول الى الرئاسة قبل أوانها؟

ـ هذه مشكلة عند البعض ولكن ليست مشكلة عند الجميع، نحن سعداء جداً بما حصل بيننا وبين تيار «المردة» إنطلاقا من نتائجه المباشرة على الارض، فعلى الاقل أصبحت العلاقة طبيعية، و»من هون ورايح» التطورات السياسية والتحالفات السياسية هي التي تحدّد الأمور في كل المحطات.

المعنى «الناعم والسلس»
* كيف ترى الحل مع «التيار الحر»؟

ـ لا شيء أبداً يستدعي وجود التوتر، أو أن يبقى هذا التوتر. المطلوب من الوزير باسيل «يروّق بالو ويحلّ عن سمانا شوي»، هذا فقط ما نريده، و»باقي ما تبقّى» لا أحد يعتبر نفسه في علاقة تصادمية أو حتى تنافسية مع التيار ويذهب وينتخب رئيسه رئيساً للجمهورية. نحن وفي أي شكل من الأشكال لا نعتبر أننا على علاقة تصادمية أو حتى تنافسية مع «التيار الوطني الحر»، إلاّ بالمعنى «الناعم جداً» و»السلس جداً». نحن حزبان كبيران على أرض واحدة، ومن الطبيعي وجود التنافس، إنما التنافس الحضاري الناعم والمقبول.

لكن كما تحصل الامور منذ تشكيل الحكومة، فإنك تشعر بأنّ الأشخاص الذين دعمتهم للوصول الى رئاسة الجمهورية هم أكثر من يحاربونك لعدم وصولك بحجمك الطبيعي الى الحكومة، فهذا أمر صعب علينا، وهم يفتعلون الكثير من المشكلات فقط لاستبعادنا عن التعيينات، علماً أننا لا نطالب بمواقع، بل نطالب بإمور مختلفة تماماً، وهو اعتماد آلية.

* كيف تصف العلاقة بينك وبين الرئيس سعد الحريري في ضوء لقائكما الاخير، في الوقت الذي يتحدث كثيرون عن انّ الحريري كرئيس حكومة إستُهدف في صلاحياته من جانب الوزير باسيل ما خلق له مشكلة في بيئته وعلى المستوى السياسي العام؟

ـ لا اعتقد أنّ المسألة هي مسألة صلاحيات أو تعدٍ عليها. الرئيس الحريري حاول ان تكون العلاقة مع رئيس الجمهورية على افضل ما يكون، وهو الامر الذي يؤدي بطبيعة الحال الى استقرار سياسي. ونظرياً معه حق. فهذه الطريقة هي الوحيدة التي تؤدي الى إنجاز شيء ما في البلد. لكن في المرحلة الأولى غاب عن ذهن الرئيس الحريري أنه في اطار رئاسة الجمهورية هناك «عنصر اسمه الوزير باسيل»، «الذي مش هيدي هي حساباته»، ولديه أهداف أخرى. من هنا ذهب الرئيس الحريري الى محاولة ترتيب الأمور ولكنه لم يتمكن من ذلك، ما دفعه الى اعادة النظر في حساباته. أما في ما يتعلق بعلاقتنا مع الرئيس الحريري، فحتى في أسوأ ايامنا بقيت علاقتنا صلبة.

يمكن أن يستغرب البعض هذا التوصيف لأنّها ساءت كثيراً من فوق. عندما عاد الحريري من السعودية لم يتخذ أي موقف أو خطوة سلبية تجاه «القوات»، بل انّ الآخرين كانوا يفعلون ذلك. فموقف الحريري هذا دليل الى أنّ العلاقة بين «القوات» وتيار»المستقبل» مبنية على ثوابت وعلى النظرة نفسها الى لبنان والدولة وضرورة قيامها، وبالتالي أي خلاف يكون تحت سقف معين، أي أنه سيكون صغيراً أمام القواسم المشتركة التي تجمعنا ـ حتى ولو مرّت بعض الغيوم في بعض الأوقات، كانت العلاقة تعود الى طبيعتها فور جلاء هذه الغيوم. وفي الخلاصة، العلاقة بيننا صلبة واستراتيجية. واجتماعي الأخير مع الرئيس الحريري كان جيداً جداً. تكلمنا في مختلف الأمور وتحدثت معه في آلية التعيينات، فطلب مهلة ليتكلم في صددها مع رئيس الجمهورية وأفرقاء آخرين. وكما قلت، موضوع آلية التعيينات أصبح عند رئاسة الجمهورية، وإن َقبِل بها يكون الأمر جيداً، وإن لم يمشِ فسنكون أمام مشكلة، فإذا اعتُمدت الآلية نرتاح جميعاً، وهذا ما يجب أن نفعله من حيث المبدأ.