من المفارقات الغريبة، تزامن موعد الانتخابات النيابية والبلدية في ربيع العام ٢٠٢٢ والانتخابات الرئاسية في خريف العام نفسه، ولكن الأغرب أنّ هناك مَن يسعى دائماً إما إلى التمديد لمجلس النواب، وإما إلى تغيير قانون الانتخاب، أو الإثنين معاً.
 

قد يقول قائل إنه يصعب على الحكومة تنظيم انتخابات نيابية وبلدية بفارق شهر او شهرين، والاستعداد للانتخابات الرئاسية بعد ستة أشهر، ولذلك يجب أن تكون هذه المسألة محسومة اعتباراً من اليوم، فتلتزم الحكومة بإجراء الانتخابات البلدية والنيابية بعيداً عن التمديد ولو لاعتبارات تقنية، الأمر الذي يعدّ إنجازاً للحكومة والعهد.

وفي حال رأت الحكومة فعلاً أنه يتعذّر إجراء الانتخابات النيابية والبلدية لأسباب تقنية، فيجب إعلان ذلك من الآن وإعطاء تبريرات مقنعة، والتمديد تقنياً للمجالس البلدية والاختيارية، وليس لمجلس النواب الذي تنبثق منه كل السلطات في البلد، ويشكّل العمود الفقري للنظام السياسي، عدا عن ارتباطه العضوي والمباشر بالاستحقاق الرئاسي الذي يصادف بعد أشهر قليلة على إجراء الانتخابات النيابية، وفي هذه الحالة أيّ تمديد لمجلس النواب يُعدّ التفافاً على الديموقراطية وضرباً للانتخابات الرئاسية وشرعيتها الميثاقية، لأنّ الرئيس الجديد يجب أن يُنتخب من البرلمان الجديد.

ومناسبة هذا الكلام الاستباقي مردّه لمعلومات أو وشوشات تعمل بين حدّين:

الأول، التمديد من أجل أن ينتخب المجلس الحالي الرئيس المقبل، لأنّ وزير الخارجية جبران باسيل يعتبر أنّ حجمه النيابي الحالي من خلال تكتل «لبنان القوي» هو أقصى ما يستطيع الوصول والحصول عليه لستة أسباب أساسية:

السبب الأول، لأنّ بداية العهد تختلف عن نهايته، وفي حال لم تعالج النقمة الشعبية الآخذة بالتوسع فسيكون في ورطة كبيرة في الانتخابات النيابية المقبلة.

السبب الثاني، لأنّ تيار «المستقبل» الذي أعطى باسيل باقة من النواب «ندِم» على فعلته فور انتهاء الانتخابات، وبالتالي يصعب أن يكرّر السيناريو نفسَه.

السبب الثالث، هو أنّ القوى السياسية على اختلافها أرهقتها الممارسة السياسية القائمة، وبالتالي لن تكون في موقع المؤازر لباسيل.

السبب الرابع، لأنّ المجلس الراهن كان في مفهوم الناس دعماً للرئيس ميشال عون، فيما المجلس المقبل سيكون دعماً لباسيل الذي تختلف شعبيته والنظرة إليه.

السبب الخامس، لأنّ الشخصيات المستقلة ستبدأ بإعادة حساباتها في ضوء المرحلة الجديدة التي ستلي انتهاءَ عهد العماد عون.

السبب السادس، لأنّ الكتلة الناخبة العونية ستتراجع حكماً نتيجة الخلافات الداخلية التي ستتوسع، وما جمعه عون لن يستطيع أن يحافظ على جمعه باسيل.
فلكل هذه الأسباب وغيرها، يفضِّل باسيل أن ينتخب مجلس النواب الحالي الرئيس المقبل، لأنه لن يستطيع الحفاظ على حجم تكتله وحجم الكتلة الناخبة التي ستتراجع بدورها.

الحدّ الثاني الذي يتم العمل عليه، يكمن في تعديل قانون الانتخاب من أجل أن يتمكّن باسيل من تعويض ما يمكن أن يخسره ربطاً بالاعتبارات أعلاه، فيعوِّض التراجع في شعبيته المسيحية برافعات غير مسيحية، وهذا ما يفسِّر اهتمامه بقانون الانتخاب والجلسة التي عُقدت في هذا الخصوص في القصر الجمهوري بعيداً من الأضواء للبحث في قانون انتخاب جديد، فيما المنطق يقول إنه يُفترض التمسّك بالقانون الحالي وتطويره بسدّ ثغراته في انتظار توافر البديل الذي يؤمِّن النتيجة نفسها لجهة التمثيل الصحيح، والقانون الحالي هو أوّل قانون أعاد تصحيح الخلل الميثاقي والخرق الدستوري المتمادي، وأيّ قانون جديد يجب أن يقترب أكثر فأكثر من التمثيل المطلوب وليس العودة إلى زمن البوسطات والمحادل.

وهناك كلام أنّ باسيل يريد استبدال الصوت التفضيلي بصوتين تفضيليَّين، وفي حال صحّ هذا الأمر يكون كمَن يضرب الإنجاز الدستوري والميثاقي المحقق في هذا العهد، مستنسخاً القوانين السابقة غير التمثيلية، لأنه في الصوتين التفضيليّين عودة إلى البوسطات والمحادل وضرب للتمثيل الصحيح، فهل يمكن أن يقدِم على خطوة من هذا النوع من رفع شعار التمثيل الصحيح وصولاً إلى تبنّي القانون الأورثوذكسي؟ وهل تراجع شعبيته وسعيه إلى إضعاف «القوات اللبنانية» ومنعها من التقدم في استحقاق ٢٠٢٢ سيدفعه في هذا الاتجاه؟ وهل أولويته السلطوية ستطغى على «مبدئيّته» المسيحية التي يجاهر بها ليل نهار؟ وهل يأخذ في الاعتبار انعكاس خطوة من هذا النوع على وضعيته المسيحية كونها تشكل انقلاباً على كل مفهوم التمثيل الصحيح، وضرباً لكل المسار الذي انطلق مع تفاهم معراب وانتخاب الرئيس عون وإقرار قانون الانتخاب الحالي، أم أنّ هدفه في الحفاظ على حجمه وتحجيم «القوات» يطغى على أيّ اعتبار آخر؟ وهل يستطيع أن يتبنّى توجّهاً من هذا النوع والدفاع عنه وتبرير منطقه الجديد الذي يتعارض كلياً مع منطقه السابق؟

لا يمكن الكلام عن استقرار سياسي إذا كانت قوانين الانتخاب تتبدّل باستمرار، كما يجب على القوى السياسية والناس أن يعتادوا على قانون انتخاب معيّن، والقول إنّ القانون الحالي طائفي فليست تهمة، لأنه يُفترض أن يكون كذلك باعتبار أنّ جوهر الدستور اللبناني وميثاقه الوطني والتمثيل السياسي طائفي بامتياز، فيما القوانين السابقة كانت طائفية حتى العظم، ولكنها لا تمتّ بصلة إلى العيش المشترك والشراكة الحقيقية.

فما بين الحدَّين هناك مَن يخطّط ويحضِّر، أي بين التمديد وتغيير قانون الانتخاب.
إنّ في الحدَّين انقلاباً على الدستور والطائف والميثاق والعيش المشترك والشراكة، ويُخطئ مَن يعتبر أنّ انقلاباً من هذا النوع يمكن تمريرُه أو تهريبُه على البارد.