اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضغط على المكابح قبل أن تنطلق الصواريخ الأميركية باتجاه أهداف إيرانية، ليمنح إيران فرصة أخيرة للتفاوض بشأن اتفاق نووي جديد، في تكتيك استهدف ممارسة أكبر قدر من الضغط، لكن لا يبدو أن النظام هناك قد تلقى الرسالة، مكتفيا بفعل الشيء الذي اعتاد عليه وهو "الدعاية".
 
ووجه مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون رسالة إلى إيران يوم الأحد خلال زيارته لإسرائيل عندما نصح القادة في طهران بعدم "الفهم الخاطئ للحكمة والتعقل على أنه ضعف أميركي".
 
وقال في تغريدة لاحقة إن الولايات المتحدة وإسرائيل تؤكدان على الأولوية المشتركة لمواجهة "العدوان الإيراني" في كل الإقليم عبر الاستمرار في ممارسة أقصى ضغط اقتصادي وزيادة ثمن الأنشطة الإيرانية الخبيثة، على حد تعبيره.
 
ومن جانبه غرد الرئيس الأميركي على تويتر بالقول إنه لم يُلغِ الضربة العسكرية على إيران، كما أوردت وسائل الإعلام، وإنما أصدر أمراً بوقف تنفيذها في الوقت الحالي، لكنه في ذات الوقت أكد أنه لا يسعى للحرب مع إيران.
 
وجاءت تصريحات ترامب في وقت يتجه إلى فرض حزمة جديدة ومشدّدة من العقوبات على طهران يوم الاثنين.
 
ويشير الموقف الأميركي إلى أن واشنطن أرادت أن تقرأ طهران الرسالة بشكل صحيح، كي لا يشتتها الرغبة في استهلاك الموقف إعلاميا ودعائيا.
 
وبحسب الخبير في الشأن الإيراني هاني سليمان فقد أفصحت "الضربة الملغاة" عن عدم وجود رؤية واضحة تحظى بإجماع داخل الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالرد العسكري وحجمه ونطاقه وتداعياته؛ حيث توجد خلافات وتقديرات متفاوتة في الإدارة.
 
وتريد واشنطن ممارسة أكبر قدر من الضغط على إيران بحيث يحقق الهدف النهائي وهو إجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات لبحث اتفاق نووي جديد يشمل الأنشطة الإيرانية النووية وبرنامج الصواريخ الباليستية والممارسات التخريبية في الإقليم.
 
وقد أكد الرئيس ترامب على ذلك عندما عبر عن اعتقاده بأن "إيران تريد التفاوض وتسعى لعقد اتفاق".
 
ترويج دعائي
 
لكن في طهران، لا يبدو أن هناك حتى الآن على المستوى العلني استجابة للضغوط، بل يروج الجانب الإيراني لإسقاط الطائرة الأميركية كرمزية على تطور القدرات الصاروخية والقدرة على إحداث رد مؤلم لواشنطن ومصالحها.
 
وراحت منصاتها الإعلامية المختلفة في تسويق تلك العملية على تأكيد مخاوف واشنطن، وعلى تعظيم القوة العسكرية الإيرانية وقدراتها على الرد، وهو ما يستثمره النظام في تسويقه كنجاح يطوق به مشاعر الغضب إزاء المشكلات الاقتصادية، يستطيع به تجييش القدرات الحماسية وتكوين قاعدة لدعم النظام.
 
وقال قائد القوات الجو فضائية في الحرس الثوري الإيراني، العميد أمير علي حاجي زادة لوكالة أنباء الطلبة الرسمية إن " إيران تشعر بالفخر بعد إسقاط الطائرة التجسسية الأمريكية المتطورة للغاية بمنظومة صاروخية إيرانية الصنع".

وبدوره، دعا قائد ما يعرف بمقر خاتم الأنبياء في الحرس الثوري الولايات المتحدة " التصرف بمسؤولية لحماية أرواح القوات الأمريكية من خلال تجنب سوء السلوك في المنطقة".

أما الرئيس الإيراني حسن روحاني فقد اعتبر "الاعتداء الأميركي على الأجواء الإيرانية"، بداية لمرحلة جديدة من التوتر والنزاع، مطالبا المجتمع الدولي بتحول مسؤولياته تجاه هذه السياسة الأميركية.

ويبدو من الخطاب الإيراني على المستويين السياسي والعسكري أن طهران ترغب في الاستفادة الدعائية من إسقاطها للطائرة الأميركية، والظهور داخليا بأنها في حرب ضد قوى الاستكبار، بحسب الوصف الذي يحب قادة طهران إطلاقه على الولايات المتحدة.

ويراهن النظام الإيراني على التهديدات باستهداف القوات الأميركية العاملة في المنطقة بالإضافة إلى دفع الميليشيات المنتشرة في العراق ولبنان وسوريا من أجل استهداف المصالح الأميركية وربما استهداف إسرائيل بصواريخ حزب الله.

نقاط مؤقتة

وربما تكفل الدعاية الإيرانية منح مزيد من النقاط للنظام الإيراني في الجولة الحالية، مستغلا التراجع الأميركي عن الضربة العسكرية.

لكن في ذات الوقت" قد يكون ذلك الزهو لحظة تاريخية خادعة، على اعتبار أنه ورغم تراجع فرص المواجهة العسكرية الشاملة، وعدم توجيه ضربة للرد على إسقاط الطائرة الأميركية،فإن ذلك لا يشكل ضمانة لاستقرار الأمور في المستقبل" بحسب سليمان.

وقال المبعوث الأميركي الخاص بإيران براين هوك لسكاي نيوز عربية يوم السبت إن "الشعب الإيراني يرى أن ترامب كان مراعيا من الجانب الإنساني، وهذا النظام يمثل الشعب بشكل سيئ، والدليل أنه في الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، انتشر وسم (أربعون سنة من الفشل) مما يعكس مدى استياء الشعب الإيراني من النظام".

وتابع: "الشعب الإيراني سئم من استغلال هذا النظام له، واستغلاله لأموال البلاد في اليمن وسوريا ولبنان، خاصة وأن المقاتلين في حزب الله يحصلون على أموال أكثر من التي يحصل عليها أبناء الشعب نفسه، وهذا أمر يدركه الإيرانيون تماما".

فخ لطهران؟

وقد تشكل "حالة الزهو الدعائية" فخا لطهران من أجل التمادي في أفعالها الاستفزازية، وقد تجد نفسها في وقت معين متورطة في حرب لا تريدها.

ويرى سليمان أن خيار الرد وتوجيه ضربات ما زال قائما، لكن السيناريو الأقرب هو التوصل لحلول وسط فيما يتعلق بالتفاوض من خلال دخول وسطاء، كما تقوم بريطانيا حالياً، وهو موقف قريب من وجهة نظر دول المنطقة التي تريد تغييرا في السلوك الإيراني دون مواجهة عسكرية غير متوقع تداعياتها.

ويمكن اعتبار التأثير المعنوي والدعائي لإسقاط الطائرة "مؤقتا" في طهران، "فهذه الورقة محكومة بما يليها من خطوات وسيناريوهات المواجهة، على اعتبار أن حجم المشكلات والنزيف الاقتصادي هو أكبر من أية محاولة لتحقيق انتصار في محطات وبؤر خارجية ليست ذات أولوية وأهمية بالنسبة للشعب المشغول في البحث عن الفتات".