ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس عيد الأب على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح، "كابيلا القيامة"، قال فيها: "من واجب الجماعة السياسية الأول تأمين النهوض الاقتصادي بكل قطاعاته، وفيض المال العام في الخزينة، وحمايته من الهدر والسرقة والنهب. فلأجل هذه الغاية على السلطة الدستورية إجراء التعيينات على أنواعها بروح الميثاق الوطني وقاعدة المشاركة بالمناصفة والتوازن بين المسيحيين والمسلمين، على قاعدة الكفاءة والنظافة وفقا للأصول المتبعة أساسا، بحيث تتاح لكل مواطن كفوء ومواطنة كفوءة إمكانية المشاركة في خدمة الشأن العام، من دون شرط الانتماء إلى حزب أو تكتل نيابي منعا للتدخل السياسي في الشأن الاداري القضائي. وإلا شوهنا هوية لبنان الثقافية التعددية، ونموذجيته ورسالته".
 
وتابع: "من هذا المفهوم لمسؤولياتها، ندعو السلطات السياسية المعنية للمحافظة على المؤسسات الاجتماعية التي تعنى بهم. إن تقصير الدولة في دعم هذه المؤسسات للقيام بواجباتها تجاه هؤلاء المواطنين إخلال ضميري وتاريخي كبير. ذلك أن المؤسسات الاجتماعية تقوم مقام الدولة نفسها في هذا الواجب من الخدمة الذي هو في الأساس واجب الدولة. فلا لأن الدولة مقصرة في إنشاء مثل هذه المؤسسات الاجتماعية، ولا لأنها تهملها وتتقاعص عن أداء مستحقاتها المالية، يحق لها أن تحجب المال عنها، وتقحمها لإقفال أبوابها، ورمي هؤلاء الإخوة والأخوات المواطنين في الشارع، فيما هم يشكلون كرامة الوطن. هذا الخطأ التاريخي الكبير يشكل وصمة عار في جبين الدولة، إذا ما بقيت ذرة من الحياء. أما القول بوجود مؤسسات وهمية، فنحن ندعو الدولة مجددا لإغلاقها وإقفال أبوابها وحل التعاقد معها".
 
وقال الراعي: "من جهة أخرى، الجماعة السياسية عندنا مسؤولة عن مساعدة الوالدين في السهر على أولادهم الشباب، الذين هم مستقبل الوطن، وفي حمايتهم من أخطار المخدرات والتدخين والكحول ومرض الإيدز والانترنت والقمار والانتحار، وحوادث السير، وفي استكشاف أسباب هذه المخاطر وإزالتها. إنني أوجه تحية شكر وتقدير للمؤسسات والأشخاص الذين يضحون من أجل حماية شبابنا من هذه الأخطار وقد زارونا الأسبوع الماضي وقدموا لنا تقارير عن نشاطاتهم وهي: شعبة مكافحة المخدرات في إدارة الجمارك، البرنامج الوطني للحد من التدخين في وزارة الصحة العامة مع النصوص القانونية التي تحتاج إلى تطبيق، مركز معالجة الإدمان على المخدرات في مستشفى ضهر الباشق الجامعي الحكومي، فهو يعنى بالعلاج الصحي لتنظيف جسم المدمن من رواسب المخدرات، ما يعني أن المدمن شخص مريض ومهمش بحاجة إلى علاج ومتابعة، وبالتالي عدم النظر إليه "كمجرم" ينبغي ملاحقته ومعاقبته، مؤسسة "جاد"- شبيبة ضد المخدرات ومركزها الثقافي للتوعية والتدريب من أخطار المؤثرات العقلية، وقدمت تقريرين عن أبرز القضايا المتعلقة بموضوع المخدرات والفساد، وعن الانتحار وأسبابه وطرق الوقاية منه، مراكز المعالجة النفسية التي تكشف أولا أسباب الإدمان، ثم آثاره النفسية فالتأهيل، وواجب الدولة في منع إنتشار المواد المخدرة ومكافحة سوق المخدرات وتجارها ومروجيها، ومعالجة ضحاياها لا معاقبتهم، مراكز التوعية على أخطار الهيرويين الالكتروني المعروف بالإدمان الافتراضي على الانترنت، تجمع الشباب "Yasa" للتوعية والحد من حوادث السير ونقابة الصيادلة. وتبقى مشكلة الدواء والمريض والصيدلي. فمن واجب المسؤولين في الدولة إعادة الاعتماد على مفاهيم الدواء والمريض والصيدلي، وحمايتها من الفلتان والاستغلال والاتجار، بالتعاون مع نقابة الصيادلة، من أجل حماية الانسان في سلامة صحته".
 
أضاف: "الوالدان والمجتمع والكنيسة والدولة مدعوون لإعلان حال طوارىء دائمة من أجل حماية شبابنا من الأخطار التي ذكرناها. فالشباب هم طاقة الأوطان ومستقبلها. ولذا وطن من دون شباب وطن من دون مستقبل. صحيح القول: "إذا أردت أن تقضي على مقدرات شعب عطل عقل شبابه وطاقته الإنتاجية، وإذا أردت أن تقضي على تاريخ أمة، فخدر شبابها".
 
وختم الراعي: "بالعودة إلى الإنجيل، نلتمس في هذه الذبيحة الإلهية عطية الروح القدس، لكي يسكب في قلوبنا المحبة، وفي عقولنا المعرفة، وفي داخلنا السلام. بفضل المحبة نحفظ كلام المسيح ونصبح سكنى الله: "من يحبني يحفظ كلمتي. أبي يحبه، أنا أحبه، وإليه نأتي وعنده نجعل لنا منزلا" (يو23:14). وبفضل أنوار الروح القدس الذي "يعلمنا كل شيء، ندرك حقيقة الله والإنسان والتاريخ". أما سلام المسيح الذي يسكبه الروح القدس في داخلنا، فينفي منها "الاضطراب والخوف" (يو27:14)، ويجعلنا "صانعي سلام". بهذه المواهب الثلاث نرفع نشيد المجد والتسبيح والشكر الى الله-المحبة".