متابعون لأجواء التصعيد في الخليج يقولون إن إيران تحاول أن تظهر بصورة القادر على مواجهة الولايات المتحدة لاستثمار ذلك في تقوية نفوذ المتشددين داخلها.
 
تستمرّ القيادة الإيرانية في المكابرة والتلويح بردود قاسية على أي هجوم، لكن في نفس الوقت تحاول أن تتبرأ من اتهامها بالتصعيد بإلقاء المسؤولية على آخرين بدلا من إظهار الشجاعة في تحمل نتائج تلك المكابرة، وخاصة إقناع الداخل الإيراني، الذي لم يعد يتحمل المزيد من المغامرات.
ويتزامن هذا مع زيادة أعداد شركات الطيران التي قررت أن تتفادى المرور عبر المجال الجوي الإيراني وفوق مضيق هرمز وخليج عمان، استجابة لتحذيرات أميركية، وهو أمر يضع الإيرانيين تحت الضغط بانتظار خطوات أميركية مفاجئة، مع تأكيد جديد للرئيس دونالد ترامب بأن العمل العسكري بشأن إيران لا يزال مطروحا على الطاولة.
ويحرص المسؤولون الإيرانيون، من المتشددين والمعتدلين، على إطلاق تصريحات علنية قوية بشأن القدرة على مواجهة أي هجمات أميركية محتملة، وهو أمر يفترض أن تكون طهران مستعدة له ليس فقط عسكريا ولكن أيضا من ناحية تحمل المسؤولية في ما قد يحدث من نتائج وعدم تعليق المسؤولية على دول مجاورة بزعم أن طائرة الاستطلاع الأميركية المسيرة قد انطلقت منها، أو أن دعواتها المستمرة لحماية أمن الملاحة دفعت واشنطن إلى إرسال حشود عسكرية إلى المنطقة.
ويقول متابعون لأجواء التصعيد في الخليج إن إيران تحاول أن تظهر بصورة القادر على مواجهة الولايات المتحدة لاستثمار ذلك في تقوية نفوذ المتشددين داخلها، لكنها تعمل بالتوازي على تحميل آخرين مسؤولية التصعيد حتى إذا أحدث الهجوم الأميركي أضرارا بليغة، وجدت السلطات المتشددة جهة ما كمشجب لتبرير هزيمتها أمام الرأي العام الداخلي وأمام الأذرع المناصرة لها في المنطقة.
ونقلت وكالة تسنيم عن عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية قوله “بغض النظر عن أي قرار يتخذه (المسؤولون الأميركيون).. لن نسمح بأي انتهاك لحدودنا. ستواجه إيران بحزم أي عدوان أو تهديد أميركي”.
من جانبه، قال العميد أبوالفضل شكارجي الناطق باسم هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية في مقابلة مع وكالة تسنيم، إن “إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إيران سيشعل مصالح أميركا وحلفائها” في المنطقة.
وبادرت إيران إلى إعدام متعاقد سابق في المنظمة الجوفضائية بوزارة الدفاع بتهمة التجسس لحساب المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.أي)، في خطوة قال مراقبون إنها تظهر الارتباك أكثر من الشجاعة.

وتحاول إيران استثمار تراجع ترامب، عن توجيه ضربات مركزة لمواقع عسكرية تابعة لها، على أنه نصر لخيار التخويف الإعلامي الذي يطلقه المسؤولون البارزون في طهران. لكنها تستمر في الخفاء بالبحث عن “مخارج مشرفة” لأزمتها عبر الوسطاء السريين والعلنيين، وسط توقعات بأن إدارة ترامب لن تفوت فرصة القصاص لإسقاط الطائرة وتوجيه رسالة شديدة لإيران ودفعها إلى التراجع عن سياسة إغراق المنطقة في الأزمات.
ويزور وزير دولة في الخارجية البريطانية إيران، الأحد، ليبحث مع مسؤولين إيرانيين كبار التوتر المتصاعد في الخليج، كما أعلنت، السبت، الخارجية البريطانية.

وسيطلب وزير الدولة المكلف بملف الشرق الأوسط أندرو موريسون “خفض حدة التوتر بصورة عاجلة”.
وقالت الخارجية البريطانية في بيان “في هذه المرحلة من التوتر الإقليمي المتنامي وخلال فترة حاسمة لمستقبل الاتفاق النووي تعطي هذه الزيارة فرصة لمواصلة حوار منفتح وصريح وبناء مع الحكومة الإيرانية”.

وأيا كانت الجهة التي بادرت بالوساطة سواء أكانت محاولة بريطانية معزولة أم برغبة من إيران، فإن السلطات المتشددة في طهران أقفلت على نفسها باب الحلول عبر الوساطات بخطابها الانفعالي الذي يظهر أنها صاحبة القرار الأقوى، وأن الأميركيين في موقف ضعف.
ويظهر ترامب هدوءا غير معهود، ويحاول التحكم في نسق تصريحاته، وهو ما يكشف عن أن التحرك ضد إيران ليس مزاجا شخصيا للرئيس الأميركي، وأن الأمر يتعلق بموقف جماعي لمؤسسات القرار الأميركي التي ترى أن موعد الهجوم لم يحن بعد.
وقال الرئيس الأميركي، السبت، إنه سيفرض عقوبات إضافية على إيران في مسعى لمنعها من امتلاك أسلحة نووية، مضيفا أن العمل العسكري لا يزال مطروحا.
وأوضح ترامب أن الهدف من العقوبات هو منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وأنه سيتوجه إلى منتجع كامب ديفيد “لإجراء مشاورات بشأن إيران”، دون أن يحدد طبيعة الجهات المشاركة في تلك المشاورات.

 

ويرى محللون سياسيون أن إيران كانت تراهن على أن خلط الأوراق بتهديد أمن الملاحة الدولية واستهداف ناقلات النفط سيدفع إدارة ترامب إلى مراجعة خيار العقوبات، ما يسمح لطهران بالاستفادة من تصدير النفط وتوظيف عائدات في معاركها الخارجية، لكن النتائج كانت عكسية حيث يستمر البيت الأبيض بمراكمة العقوبات.
وأعلن الموفد الخاص الأميركي لإيران براين هوك، السبت، أن العقوبات النفطية ستحرم النظام الإيراني من عوائد قدرها نحو 50 مليار دولار.
بالتوازي باتت إيران في شبه عزلة دولية بعد أن تنادت شركات الطيران العالمية إلى تنفيذ الحظر الذي أعلنته إدارة الطيران الاتحادية الأميركية بعدم التحليق فوق المجال الجوي الذي تسيطر عليه إيران فوق مضيق هرمز وخليج عمان بسبب زيادة التوتر في المنطقة.
واتخذت بعض شركات الطيران العالمية تدابير احتياطية بعد الأمر الصادر عن الإدارة الأميركية، وبينها شركات خليجية، والبعض الآخر من أوروبا أو جنوب شرق آسيا، ومن المتوقع أن تتواصل الاستجابة لهذا التحذير بسبب مخاوف من استهداف الطائرات في أجواء يسيطر عليها الغموض والخوف من اندلاع مواجهات مفاجئة.