“هناك 124 معبر تهريب، وصلت الوقاحة في استخدامها إلى حد تسميتها بمنتج معيّن أو باسم شخص معيّن. وهذه من أبرز علامات تحلل الدولة في القيام بواجبها”.

الكاتب:

وزير المالية اللبنانية علي حسن خليل (يمثّل “حركة أمل” التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه برّي).

المناسبة:

تغريدة على حسابه على موقع “تويتر” في وقت تدرس لجنة المال والموازنة مشروع قانون موازنة العام 2019، حيث يثير رفع الضرائب والرسوم اضطرابات في عدد من القطاعات الأساسية في البلاد بينها المؤسسة العسكرية.

1- السوابق

هذه ليست المرة الأولى التي يطل فيها مسؤول لبناني للحديث عن تهرّب جمركي كبير في لبنان.

سبق وزير المال إلى ذلك الوزير السابق غازي العريضي، حين كان يتولى حقيبة الأشغال العامة والنقل. الفارق أن العريضي يومها تحدث، بشكل محدّد، عن ممرات تهريب ضمن المرافق العامة الشرعية، ولا سيما في مطار رفيق الحريري الدولي (وهو المطار الوحيد المتاح للاستخدام المدني) ومرفأ بيروت، محددا الخسائر التي تتكبدها خزينة الدولة بالمليارات.من يستفيد من خدمات المهرّبين ينافس بسهولة كل من لا يستفيد من خدماتهم

وبناء على ما كان قد كشفه العريضي، تصريحا وتلميحا، شنّت حملة سياسية نسبت بوضوح مسؤولية هذه الممرات إلى “حزب الله”.

ولكن السياسة في لبنان تتقدم على كل الحقوق والواجبات، ولذلك، فبفعل انهيار جبهة 14 آذار من جهة أولى، وبفعل التسويات السلطوية من جهة ثانية، وبفعل قلب موازين القوى المحلية كليا لمصلحة “حزب الله” من جهة ثالثة، جرى تغليف كلام العريضي ووضعه على رفّ… الإهمال.

ومنذ سنوات يؤكد تجار لبنان وجود مشكلة معقدة للغاية تُفسد البيئة التنافسية اللبنانية، وذلك لوجود سعرين للمستوردات في الأسواق.

ويعود وجود هذين السعرين إلى توافر نوعين من الجمارك، الأول شرعي، حيث تدفع الرسوم القانونية، والثاني غير شرعي، حيث تدفع عمولات لمهربين معروفة الجهة التي تحميهم.

ويقول التجار إن كل من يستفيد من خدمات المهرّبين ينافس بسهولة كل من لا يستفيد من خدماتهم، ذلك أنه يمكن لهؤلاء أن يبيعوا بضائعهم بأسعار رخيصة نسبيا.

2- في كلام وزير المال

وهذه النماذج عن الأسبقيات لا تفيد بأن كلام وزير المال الحالي هو أخف قوة وأهمية وصراحة ووطأة من كلام الوزير السابق غازي العريضي بل إن الدولة اللبنانية تقف عاجزة أمام سارقي خيراتها، لتظهر قوية على حساب ضحايا هؤلاء اللصوص.

واللصوص، في الحالة التي يتحدث عنها وزير المال، ليسوا غرباء عن بيئة الطبقة الحاكمة اللبنانية، ذلك أن مجلس الوزراء يضم جميع من جرى تصنيفهم بالأقوياء، في حين استبعد كل من جرى تصنيفهم بالضعفاء.

ومعلوم أن الاستقواء على الدولة وحقوقها ومواردها، يستحيل على الضعفاء، وهو منوط حصرا بالأقوياء.

فمن يحمي 124 معبر تهريب؟

للبنان حدود مشتركة مع دولتين: الأولى إسرائيل. وتسيطر على هذه المنطقة ثلاث قوى: الجيش اللبناني واليونيفيل و”حزب الله”.

والمعلومات المتوافرة من أكثر من مصدر تؤكد أن لا بوابات تهريب مع الدولة التي هي على عداء مع لبنان.

أما الحدود المشتركة الثانية فهي مع سوريا، وهنا تتقاسم قوتان السيطرة: الجيش اللبناني و”حزب الله”.

ومعلوم أن تحركات الجيش اللبناني الحدودية محدودة، في حين أن “حزب الله” يتحرك بحرية واسعة على الحدود، فهو لديه معابر للسلاح وللمقاتلين ومعدّاتهم، وخلافه.

وطالما أن الجيش اللبناني “يناصر” حركة “حزب الله” الحدودية، فهذا يعني أن لا سلطة له على معابر يشرف عليها الحزب أو يستحدثها.

ومن البديهي، والحالة هذه، أن المعابر التي يتحدّث عنها وزير المال، إما تقع تحت سيطرة “حزب الله” وإما في المناطق التي يفرض عليها سيطرته.

أما بالنسبة للبوابات الحدودية البحرية والجوية، فالفساد يمكنه أن ينتج خروقات تهريبية، ولكنه أعجز من أن يخلق معابر ثابتة ومعتمدة، حتى يمكن إطلاق اسم بضائع على هذا المعبر واسم مهرّب على ذاك.

3- في البعد الوطني

إعلان وزير المال أن وجود هذه المعابر غير الشرعية “من أبرز علامات تحلل الدولة في القيام بواجبها” هو إعلان خاطئ، ذلك أن في العلاقة السببية تظهر أن الدولة التي تقبل برعاية كيان شاذ، حيث توجد قوة غير شرعية مسلحة كـ”حزب الله”، ستنتج سلوكيات شاذة، كوجود معابر غير شرعية محمية.

ويعرف وزير المال وغيره أن مؤسسات الدولة، مهما امتلكت من معلومات ومهما حسنت نياتها، فهي أعجز من أن تقدم على فعل يقع ضمن واجباتها، إذا ما وقف “حزب الله” في وجهها.

في العام 2007 كانت الحكومة تقوم بواجباتها عندما قررت نزع كل شرعية عن شبكة اتصالات هاتفية ينشئها “حزب الله” لمصلحته، ولكن ردة الفعل التي واجهتها كانت كارثية، إذ شنّ “حزب الله” عملية عسكرية على أبرز مكوّنات الحكومات، في ما بات يعرف بـ”غزوة 7 أيار”، الأمر الذي أنتج تغييرا في معادلات السلطة في لبنان، من خلال التفاهمات التي تمّ التوصل إليها في الدوحة، حيث مدّد “حزب الله” نفوذه السياسي ليتلاءم نسبيا مع تمدد نفوذه العسكري في البلاد.المعابر التي يتحدّث عنها وزير المال، إما تقع تحت سيطرة “حزب الله” وإما في المناطق التي يفرض عليها سيطرته

إن هذه الدولة التي يصيبها “التحلّل” المنتج للمعابر الشرعية، هي الدولة نفسها التي توجد فيها بلديات تمنع على اللبنانيين من الطوائف الإسلامية السكن فيها ـ إيجارا أم تملكا ـ كبلدية الحدث التي يسيطر عليها “التيار الوطني الحر” منذ 9 سنوات، في ما يعد تجاوزا خطرا للدستور، بغطاء طائفي وفّره العماد ميشال عون قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية والثنائي الشيعي المتمثل بـ”حزب الله” و”حركة أمل”.

وهذه الدولة نفسها هي التي تُستباح فيها مياه الشواطئ، بحيث تتمدد رقعة التلوّث الخطرة، سنة بعد سنة، وفي منطقة بعد منطقة، في ظل تغييب كل المؤشرات الخاصة بتلوّث الهواء التي يتنشّقه المواطنون الذين تظهر على كثيرين منهم عوارض أمراض في غاية الخطورة و”الغرابة” في آن.

خطورة النص الذي كتبه وزير المال علي حسن خليل لا تقع في الشق المالي، بل في الشق الوظيفي لدولة سبق أن بدأ تحللها منذ” اتفاق القاهرة” الذي أنتج دولة فلسطينية ضمن الدولة اللبنانية.

أسوأ ما يمكن أن يكون لبنان في مواجهته اليوم أن تكون دورة التحلّل قد وصلت إلى مرحلتها الختامية!