أليس المأزق الذي وُضعت إيران فيه، وتأليب الدنيا عليها اليوم، حصاد تلك السياسات التي خطط لها ونفذها هذا السياسي الأميركي البريء الذي يهتفون بحياته ويتمنون فوزه، وهم لا يعقلون؟
 

ليس هناك عرب في أميركا، بل هناك عراقيون مسلمون شيعة، ومسلمون سنة، ومسيحيون، ولبنانيون مسلمون شيعة، ومسلمون سنة ومسيحيون، ومصريون مسلمون وأقباط، وسوريون سنة وعلويون ودروز، وأردنيون أردنيون، وأردنيون فلسطينيون، وأردنيون مسيحيون، وأردنيون مسلمون، وفلسطينيون مسلمون ومسيحيون، وكلٌ متحصن في مدينته الخاصة به، وله فيها إمامه ومسجده أو حسينيته أو كنيسته وجريدته وإذاعته ونواديه ودكاكينه وملاعبه ومطاعمه. بل إن منهم فِرقا وشيَعا ترفع لواء المدينة أو القرية، وليس اسم الدولة التي جاءت منها.

وقليلون منهم تمكنوا أن ينزعوا من أفكارهم عصبياتهم القديمة، وخلافاتهم ومعارك أهلهم الدينية والطائفية والعنصرية والمناطقية، برغم أن كثيرين منهم ولدوا هنا في أميركا، وتعلموا في جامعاتها وعملوا في مؤسساتها وذاقوا طعم علمانيتها وديمقراطيتها، ورأوا كيف صهر النظام الديمقراطي الأميركي ملايين البشر الوافدين من أصقاع الدنيا الواسعة، وجعلهم ملة واحدة، وزرع فيهم ثقافة التسامح والاعتدال.

أما الذين يمكن استثناؤهم من ذلك فقليلون؛ تمكنوا من الاندماج في المجتمع الأميركي، وجعلوا أنفسهم وأبناءهم مواطنين أميركيين يحترمون أصولهم والبلاد التي ينتمون إليها، ولكنهم معافون من أمراضها التي لا تتفق ومبادئ العصر الحديث وقيمه الجديدة.

مناسبة هذا المقال هو انطلاق الحملات الانتخابية الأميركية، وتدشين حرب الشتائم بين الرئيس دونالد ترامب، وبين جو بايدن نائب الرئيس السابق باراك أوباما، الذي ترشحه الاستطلاعات ليكون منافسه الديمقراطي الوحيد في الانتخابات القادمة.

ولو أنصفنا لقلنا إن الديمقراطيين والجمهوريين من طينة واحدة، لا فرق بين هؤلاء وأولئك. فتاريخ حكوماتهم الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة تخبرنا بأن العرب وقضاياهم لا تساوي حبة خردل عند أيٍ منهم، أجمعين.

ولكن حرارة المواجهة الجارية حاليا بين النظام الإيراني وإدارة ترامب، أو بعبارة أخرى بين أحباب أميركا وحلفائها العراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين والخليجيين المكتوين بنار الاحتلال الإيراني البغيض، وبين نظام الولي الفقيه وحرسه الثوري وميليشياته العراقية واللبنانية واليمنية، قد أصابت عرب أميركا بلوثاتها، فأضافت إلى فُرقتهم فُرقة، وإلى عداواتهم عداوة، وكأن انتصار المرشد الأعلى علي خامنئي وهزيمة ترامب، أو نصر أميركا وحلفائها العرب والمسلمين على إيران متوقف على فوز هذا وخسارة ذاك.

ففريقٌ مع ترامب، بقوة وعصبية لأنه، في تقديره، يعمل جاهدا من أجل إعادة إيران إلى عقلها، وخلع أنيابها ونزع أظافرها التي حفرت عميقا في أجساد جيرانها العرب والمسالمين. أما لماذا يعشق محبو إيران مرشح الديمقراطيين جو بايدن فذلك لأنه وصف سياسة ترامب الهادفة إلى احتواء إيران بأنها “كارثية”، وحذّر من أنّ “آخر شيء نحن في حاجة إليه هو حرب جديدة في الشرق الأوسط”.

ومن يتابع صحف “القبائل” العربية، وخاصة العراقية واليمنية والمصرية واللبنانية والفلسطينية يرى أن بعضها يصلي ويصوم لكي يفوز “الأخ الوفي” ترامب، وأن بعضها الآخر مشتعلٌ حماسا وثورة، ومبتهلٌ إلى الله ورسوله وآله لكي يُسقطوا ترامب، وينصروا عليه الصديق الديمقراطي “الحبيب”.

وينسون أن جو بايدن كان الممسك الوحيد بالملف العراقي منذ 2009 حتى مجيء ترامب. وأنه كان أسوأ من أدار ذلك الملف. فقد كان أكثر واحدٍ قدَّس نظام المحاصصة الطائفي الذي جعل العراق دولة فاشلة، وحافظ عليه. وهو الذي منح إيران حق احتلاله وتقرير مصيره، وأمدها بدعمه وحمايته. وله ولرئيسه أوباما النصيب الأكبر في إشعال حرائق العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، لا حبا بإيران ولا كرها في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، بل لتوريط الإيرانيين، وإغراقهم في حروب الاقتتال المذهبي مع جيرانهم، ولكي يقتل الشيعة السنة، والسنة الشيعة، وإلى أبعد ما يكون.

أليس هو الذي دعم نوري المالكي، بلا حدود، وأغمض عينيه عن كل تصرفاته وقوانينه وإجراءاته الثأرية التي أشعلت النقمة في قلوب الملايين من أهل السنة، ودفعت بأكثرهم إلى البحث عن أي حليف يشد من أزرهم ضده وضد ميليشياته، حتى لو كان الشيطانَ نفسَه ممثلا بداعش والقاعدة والإخوان المسلمين؟

وأليس المأزق الذي وُضعت إيران فيه، وتأليب الدنيا عليها اليوم، حصاد تلك السياسات التي خطط لها ونفذها هذا السياسي الأميركي البريء الذي يهتفون بحياته ويتمنون فوزه، وهم لا يعقلون؟