العدالة والتنمية سعى لتحييد أردوغان المثير للاستقطاب فيما الحزب يحاول مصالحة الناخبين.
 
يتهرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الظهور في الحملة الانتخابية بجولة الإعادة الخاصة ببلدية إسطنبول ذات الوزن الكبير شعبيا، فضلا عن رمزيتها بالنسبة إليه وإلى حزب العدالة والتنمية.
 
ويعزو متابعون للشأن التركي “الاختفاء الاختياري” للرئيس التركي إلى تيقنه من أن جزءا من الهزيمة في الجولة الماضية يعود إلى كثرة اجتماعاته وتصريحاته وتركيزه على قضايا خلافية، في وقت كان الناس في إسطنبول يبحثون عن إجابات عن قضايا تفصيلية في حياتهم.
 
وقبيل اقتراع بلدية إسطنبول في 31 مارس الماضي، عقد أردوغان 102 تجمع في خمسين يوما في كامل أنحاء تركيا. لكن في هذا الاقتراع الجديد قلص بشكل كبير ظهوره الانتخابي.
 
وبحسب النائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم عبدالله غولر، في الاقتراع الماضي “كان الرئيس يخاطب تركيا كلها. الآن لم يبق إلا اقتراع إسطنبول”.

لكن الجامعي بيرق أشين فسر تقلص حضور أردوغان عن هذه الحملة بسعيه لتفادي أن يكون “وجه الهزيمة” المحتملة لحزبه، وأيضا “لأنه شخصية مثيرة للاستقطاب”، في حين يسعى حزب العدالة والتنمية لاعتماد “استراتيجية مصالحة”.

وفي حال فاز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو فإن ذلك قد يؤدي إلى “فوضى كبيرة داخل حزب العدالة والتنمية”، وفق أستاذة العلوم السياسية في أنقرة عائشة أياتا.

وقالت عائشة إن فوز مرشح المعارضة سيقوض صورة “الماكينة الانتخابية” التي لا تهزم لحزب أردوغان ويمكن أن يعزز ذلك نزعات الانشقاق داخله.

من جهة أخرى، بحسب أشين، فإن فوز إمام أوغلو سيمنحه هالة وطنية من شأنها أن تهدد وضع أردوغان على الأمد البعيد.

أما في حالة فوز بن علي يلدريم مرشح حزب العدالة والتنمية، فإن العديد من الخبراء يرون أنه سيكون “نصرا باهظ الثمن” لحصوله بعد إلغاء مثير للجدل لاقتراع أول.

وتوقعت أياتا أن يفقد المجتمع الدولي في هذه الحالة “أكثر الثقة في العملية الديمقراطية بتركيا”. كما يمكن أن يؤثر توتر محتمل مع الغرب على الاقتصاد التركي الذي يعاني ارتفاعا كبيرا في نسبة التضخم وانهيارا كبيرا لليرة التركية.

ويعود سكان إسطنبول غدا الأحد إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب رئيس بلديتهم وذلك بعد إلغاء فوز مرشح المعارضة في اقتراع سابق في 31 مارس.

ويتنافس على المنصب أساسا أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعوب الجمهوري الذي كان فاز بفارق ضئيل في الاقتراع السابق، وبن علي يلدريم السياسي المخلص للرئيس رجب طيب أردوغان. ويرى الكثير من المراقبين أن أردوغان سيخرج أضعف من هذا الاقتراع مهما كانت نتيجته.

وبعد كم كبير من الطعون المقدمة من حزب العدالة والتنمية (إسلامي) الحاكم، ألغت اللجنة الانتخابية العليا نتائج الاقتراع ودعت إلى انتخابات جديدة في 23 يونيو.

وعللت اللجنة قرارها بسلسلة من التجاوزات على صلة خصوصا باختيار مسؤولي مكاتب التصويت وقدرت عدد “بطاقات التصويت المشبوهة” بأكثر من 300 ألف بطاقة.

لكن أسئلة تبقى مطروحة خصوصا عن سبب إلغاء انتخاب رئيس البلدية فقط، دون المستشارين البلديين الذين تنتمي غالبيتهم إلى حزب أردوغان الحاكم.

ويقول محللون إن الحكومة تتمسك برئاسة بلدية إسطنبول لأن المدينة توفر لرئيس بلديتها موارد كبيرة جدا ومنبرا سياسيا من الدرجة الأولى. وكان أردوغان نفسه بدأ مسيرته السياسية من رئاسة بلدية إسطنبول، وكثيرا ما ردد أن “من يفوز في إسطنبول يفوز في تركيا”. وأوضح بيرق أشين الأستاذ الجامعي في أنقرة أن إسطنبول “هي الوقود الذي يدير ماكينة حزب العدالة والتنمية”.

وأضاف أن بلدية إسطنبول “تنفق المليارات من الدولارات في طلبات عروض عامة وفي الخدمات، ما يجعل حزب العدالة والتنمية في اتصال مباشر مع الناخبين”.

غير أن غولر النائب عن حزب العدالة والتنمية نفى سعي الحزب لاستعادة إسطنبول بأي ثمن، مشيرا إلى قبول الهزيمة في مدن كبرى أخرى مثل العاصمة أنقرة وأنطاليا (جنوب).

ويقول المراقبون إن نتيجة الإعادة ستضع أردوغان في الزاوية، ففوز إمام أوغلو سيعني هزيمة مكررة ومذلة للرئيس التركي وحزبه، فيما سيلقي فوز يلدريم بالشكوك في مصداقية الانتخابات.

وسواء احترم أردوغان نتيجة التصويت في انتخابات الإعادة على منصب رئيس بلدية إسطنبول أو اختار عدم احترامها، فإن هذا التصويت سيساهم بصورة كبيرة في رسم صورة العلاقات الخارجية لتركيا، خاصة ما يتعلق منها ببقاء هذا البلد ضمن مجموعة الدول غير المثالية أو ذات الممارسات المعيبة أو ضمن الديمقراطيات الانتخابية التي لا تتوقف عن احترام إرادة الناخبين.

ويقول إدوار جي ستافورد الأكاديمي الأميركي المتخصص في الشؤون التركية إن من شأن التأثيرات الاقتصادية وخسارة ثقة المستثمرين وخفض التصنيف المالي لتركيا وفقدان دعم صندوق النقد الدولي أن تسبب مشاكل حقيقية للشعب التركي.

وكتب جي ستافورد في موقع أحوال تركية أن انحراف تركيا عن التقاليد والأعراف الديمقراطية سيزيد بلا شك إن تمت مرة أخرى الإطاحة بنتيجة الاختيار الشعبي لمنصب رئيس بلدية إسطنبول، أو أن يتم اعتبار يلدريم رئيسا لبلدية كبرى مدن البلاد رغم أن أكثر من نصف عدد الناخبين يعتقدون بقوة أنها نتيجة غير عادية، وهذا هو السيناريو الأسوأ.

وأكد أنه في هذه الحالة ستتبدد ثقة الأتراك في أي عملية انتخابية تجرى تحت إشراف حزب العدالة والتنمية بطريقة ربما لا يقدر أحد على تغييرها.