إن احتمال قيام حرب ما، صغيرة أم كبيرة، أمر وارد ومنطقي الحدوث، طالما أن الحصار الإقتصادي الذي يُطْبق على رقاب إيران والإيرانيين متسبباً بأزمة حكم ونظام واحتمال إنهيارات إقتصادية ومعيشية قد تطيح بالوضع القائم.
 

سلسلة من التطورات الدراماتيكية حصلت يمكن وصفها بالزوبعة التي تسبق الصدام العسكري المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران فقد دعت الولايات المتحدة العالم إلى مواجهة التهديد النووي الايراني رداً على تهديد ايران بزيادة التخصيب الذي حد منه الاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وترافقت الدعوة الأميركية المذكورة مع اعلان اميركي آخر أكد أنه سيحافظ على الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز الذي هددت طهران بتفجيره واغلاقه.

إذاً من المؤكد وجود تعبئة اميركية للصدام خلافاً لما أعلنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن ادارته لا تسعى الى الحرب وجابهت ايران هذه التهديدات فقد أعلن مسؤول كبير في الحرس الثوري الايراني اليوم عن إسقاط طائرة أميريكية بدون طيار.

بالطبع فإن ميزان القوى بين الطرفين يميل لمصلحة الأميركيين.. صحيح ان ايران حسنت كثيرا وضعها في ميدان التسلح والتكنولوجيا، لكنها لا تتساوى مع قوة الولايات المتحدة، فعندما قرر الرئيس الأميركي الراحل دونالد ريغان قصف ليبيا هدف الى تأديب العقيد معمر القذافي وعليه تبدو اليوم الصورة مشابهة، فالرئيس الأميركي لديه مهلة اربعين يوماً للتصرف في حال الصدام مع أي طرف، وبعد ذلك عليه أخذ موافقة الكونغرس.

إقرأ أيضًا: نصائح وتحذيرات دولية بضرورة النأي بالنفس

لقد وضع ترامب نفسه في موقف عن سابق تصوّر وتصميم، لا يمكنه الرجوع عنه الا بتحقيق مكاسب يواجه فيها شعبه والعالم، وفي حال تراجع ستشكل له هزيمة لايستطيع ان يتحملها لذلك هو مرغم على المواجهة  قد يكون المخرج بضربة او ضربات لمواقع ايرانية، أما الرد الايراني فسيكون على قدر حجم الهجوم ولكن ليس بالطبع بضرب أي حاملة طائرات، لأن الثمن سيكون مرتفعاً جداً.

وعلى الرغم من قرع طبول الحرب التي بدأ صداها يتردد في العالم كله، وبالرغم من الانتقال من مرحلة التهديدات المتبادلة ما بين الولايات المتحدة وإيران، ومن تجاوزها مراحل التصريحات الحامية وانتقالها إلى استهداف ناقلات النفط الخليجية والدولية خلال مرورها في مضيق هرمز، ودفع إيران للميليشيات الحوثية إلى توجيه الصواريخ والطائرات المُسيَّرة واستهداف تفجيراتها لمنشآت شركة أرامكو البترولية ومدناً ومطارات سعودية وإلحاق عشرات القتلى والمصابين نتيجة لهذا التصرف الارعن وصولا الى اسقاط الحرس الثوري للطائرة الاميركية اليوم. 

وبالرغم من ردات الفعل الأميركية المحدودة حتى الآن، فإن احتمال قيام حرب ما، صغيرة أم كبيرة، أمر وارد ومنطقي الحدوث، طالما أن الحصار الإقتصادي الذي يُطْبق على رقاب إيران والإيرانيين متسبباً بأزمة حكم ونظام واحتمال إنهيارات إقتصادية ومعيشية قد تطيح بالوضع القائم، وطالما أن تدهور الأوضاع إلى الحدود الإحترابية سيخلق للولايات المتحدة أزمات إقتصادية ومعيشية وسياسية داخلية وخارجية، وبصورة خاصة للرئيس ترامب الذي يطمح إلى تجاوز إشكالاته القضائية والحزبية والبرلمانية القائمة، كما يطمح إلى الحفاظ على استمرارية رئاسته من خلال تجديدها بعد انقضاء مرحلة حكمه الحالية، علماً بأن آثار أي حرب محتملة قد تجلب له كثيرا من دواعي الإعتراض الشعبي والسقوط الإنتخابي.

إقرأ أيضًا: زيارة الوفد الروسي جولة علاقات عامة

وبما أن تبادل اللكمات ما بين الولايات المتحدة وإيران سيتمثل في ضمن أشكاله وإشكالياته، بتحريك الأحزاب والميليشيات المنتمية لإيران ولنفوذها في مواقع عديدة، من بينها اليمن والعراق وسوريا ولبنان، لذلك، فان ما ذكرناه أعلاه يعيدنا إلى تصريحات للسيد حسن نصرالله أدلى بها منذ مدة قريبة، أعلن من خلالها إن حزب الله سيتدخل في مجابهة ومواجهة أي حرب مقبلة قد تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها على إيران، هنا لابد من التوقف ملياً، ونتذكر ما حدث في لبنان من مآسي الحروب، خاصة منها ما كان يندرج في إطار المقولة المعروفة للسيد حسن لو كنت أعلم! واللبنانيون جميعا، يتحسبون لمثل هذا الاحتمال الكارثي الذي قد يطال الشعب اللبناني بشكل عام دافعين مجددا ثمن صراع الآخرين على أرضنا وما قد ينتج عنه من مآسٍ وخسائر بشرية وخراب مدمر للمرافق المدنية ولبيوت الناس وأرزاقهم ومصالحهم، وذلك وجه من وجوه الإحتمالات المتوقعة والتي نرجو ألاّ نصل اليها مع تطور الأوضاع إلى ، خاصة وأن هذا الإحتمال الكارثي، سُيدفّع اللبنانيين أثمانا غريبة عن متوجباتهم تجاه قضاياهم مهما كان حجمها، فالصراعات القائمة حاليا تخرج عن الإطار اللبناني الوطني، وهو مصلحة خالصة لكلٍّ من إيران والولايات المتحدة، وإن جملة من الأوضاع الإقليمية قد تجعلنا ندفع أثمانا غير مستحقة علينا وبما لا طاقة لنا على تحملها، بل هي ناتجة عن ذلك الجموح الكبير الذي تنطلق منه مطامح لربما تحمل في طياتها بعض الطموحات التوسعية والاحقاد التاريخية حمى الله لبنان وشعبه.