لم يكن هناك خوف على تحالف الحريري - باسيل في أي يوم. ولكن، دائماً، كان هناك خوفٌ منه. والذين خُدِعوا في الأشهر الأخيرة بسجالات سطحية بين الرجلين اكتشفوا أنهم وقعوا ضحية القراءة الخاطئة أو المراهنة الخاطئة على أنها ستؤدي إلى انشقاق بينهما. وبعد 3 سنوات من التجارب، أدرك هؤلاء مرّة أخرى أنّ صفقة 2016 ما زالت قويّة... وستكون أقوى؟
 

يعيش خصوم التحالف الحريري - الباسيلي حالة استنفار على أرفع المستويات. فاجتماع الخمس ساعات، في «بيت الوسط»، يشغل بال الجميع، لأنه كرَّس احتكار القرار والحصص والمواقع، ليس في النصف المتبقّي من عهد الرئيس ميشال عون فحسب، بل ربما في ما بعده، إذا لم تتغيّر المعادلات الكبرى. 

ليس لدى المتضررين من هذا التحالف سوى فكرة واحدة متداولة للمواجهة، وهي أن يتَّحدوا معاً في جبهة واحدة منسجمة وقادرة على الحدّ من الاحتكار الثنائي. وهذه الجبهة يمكن أن تجمع - نظرياً- النائب السابق وليد جنبلاط، الدكتور سمير جعجع، النائب السابق سليمان فرنجيّة، النائب سامي الجميّل وقوى أخرى. 

والرأي الغالب هو أن لا ضرورة لخلق إطار سياسي يجمع القوى السياسية المتضررة من حلف الحريري - باسيل. ويكفي التقاطع على المواقف السياسية والتنسيق داخل المؤسسات بغية تشكيل قوة ضاغطة. 

ويجري التدوال في أوساط هؤلاء أنّ الرئيس نبيه بري سيتقاطع «تلقائياً» مع هذا الفريق الاعتراضي. فمصلحته هو أيضاً أن يمنع احتكار السلطة ويحافظ على التوازن بين أركانها. كما أنّ له مصلحة في «احتضان» جنبلاط الركن الدرزي الأقوى، والقوى المسيحية التي تشكل حجماً وازناً في مقابل فريق الرئيس ميشال عون. 

لذلك، يعتقد هؤلاء أنهم سيحصلون على تغطية شيعية وازنة من بري، وإن لم تكن واضحة وصريحة. وسيشكل ذلك توازناً مع التغطية التي يقدمها «حزب الله» لتحالف الحريري وباسيل. 

ولكن، ثمة مَن يعتقد أنّ المراهنة على دعم من الثنائي الشيعي ليست في محلها، لا هنا ولا هناك. فـ»الحزب» يغطي صفقة الحريري - باسيل استنسابياً وبمقدار ما يخدم ذلك مصالحه. 

وعلى الأرجح، إنّ بري أيضاً سيغطي خصوم الصفقة بمقدار ما يخدم ذلك مصالحه أيضاً… وبمقدار ما يسمح بذلك تنسيقه مع «الحزب» والمناورات السياسية، ضمن عملية توزيع الأدوار التي يعتمدها «الثنائي الشيعي» ليحافظ على قوته وأوراقه في اللعبة السياسية وداخل المؤسسات.

ولكن، هل يستطيع المتضررون من حلف الحريري - باسيل أن يشكلوا جبهة اعتراض لها فاعليتها السياسية؟

المطَّلعون يطرحون كثيراً من الشكوك في هذا الشأن. فلا شيء يجمع بين هؤلاء سوى أنهم متضرّرون من الحلف. وأما في ما بينهم، فهم يعيشون حالاً من التنافر. وبعضهم ينتظر البعض الآخر «على الكوع» ليسجّل نقطة ضده أو ليحقّق ثأراً ينتظره منذ مدّة طويلة…

1- جنبلاط مثلاً منشغل في طريقة استعادة موقعه في المعادلة. فصفقة 2016 أخذت منه امتياز الموقع الوسطي أو «بيضة القبان» التي كانت ترجّح الكفة في هذا الاتجاه أو ذاك. واستطاع فريق عون (باسيل) أن يخلق توازناً لا مكان فيه لـ»البيضة». 

وأزمة جنبلاط تكمن أيضاً في أنّ الحريري وافق باسيل في «قصقصة جوانحه» في الشوف وعاليه وإقليم الخروب، كما في التعيينات والحصص، إذ لا يمانع الحريري في وضع سقف لتمثيل جنبلاط السياسي للطائفة الدرزية لا يتجاوز الثلثين، فيما يعطى خصومه حلفاء سوريا و«التيار الوطني الحر» الثلث المتبقّي. 

والهاجس الذي يعيشه جنبلاط هو استعادة الموقع والإعتراف به ممثلاً للغالبية الساحقة من الدروز والتعاطي معه على هذا الأساس، وعدم المسّ بـ«مناطقه» الانتخابية في الجبل. والواضح أنّ جنبلاط يدفع ثمن مواقفه التصعيدية تجاه نظام الرئيس بشار الأسد وإيران. ولولا ذلك، لحَظي بتغطية أقوى من «حزب الله».

لذلك، يصعب على جنبلاط الدخول في مواجهة مفتوحة ضد حلف الحريري - باسيل، وهو يفضّل إبقاء الباب مفتوحاً لتسوية معينة ينقذ فيها رصيده السياسي. وعندئذٍ، هو لن يتورّع عن إبقاء الآخرين على قارعة الطريق ويذهب إلى التسوية. فـ»البراغماتية» مذهب جنبلاط. والسوابق كثيرة جداً، منذ 2005.

2- جعجع سارع إلى الحريري، بعد ساعات من اللقاء - الأزمة مع باسيل. حاول تذكيره بعدم وضع «البيض المسيحي» كله في سلّة باسيل. ذكّره بما يفعله الرجل عندما يُصبِح متحكماً باللعبة. لا يقف عند حدود رئيس للحكومة أو رئيس للمجلس. 

وطبعاً، ذكّره أيضاً بـ»الحنين» الـ14 آذاري، وبالتحالف السياسي والتلاقي في السياسة داخلياً وخارجياً، وبأنّ باسيل سيأخذه ويأخذ البلد إلى الأسد وقبضة إيران. وفي الخلاصة، جعجع شريك في تسوية 2016. كل ما يريده هو أن يعود الحريري وباسيل إلى نسختها القديمة، فلا يعتمدا نسخة جديدة تعزل «القوات». 

حتى الآن، جعجع قلق لأنه لم يحصل على تجاوب يُذكَر من الحريري. طبعاً، سمع كلاماً على الأمر الواقع والواقعيّة التي لا يمكن الخروج عنها. كما أنّ رهان جعجع على بري لا يمكن الإتكال عليه في المطلق. ولكن، إذا أعطي جعجع فرصة العودة إلى مفهوم الصفقة القديمة، فإنه يحصل على حصّته المسيحية ويقتنع بالمكتوب.

3- فرنجيّة مطمئن إلى أنّ «حزب الله» لن يفرّط به، كما فعل حتى الآن. لكن «الحزب» لا يعنيه تحالفه المستجد مع جعجع. ولذلك، ولاعتبارات تتعلق بمعركة الرئاسة المقبلة، سيجيّر فرنجية لـ«الحزب» مهمّة الدفاع عن حضوره في المؤسسات خلال المرحلة المقبلة. وبعد ذلك، لكل حادث حديث.

4- الجميّل يرتاح إلى حصول انشقاق بين القوى التي تواطأت وأجرت الصفقة السلطوية عام 2016، والتي بقي خارجها. ولكن المشكلة أنّ أركان هذه الصفقة ليسوا مستعدين للانتقال منها إلى المعارضة، على الطريقة الكتائبية، ويفضلون مراعاة الواقع والتكيف معه إذا أمكن.

لذلك، نتيجةً لهذه الخريطة، ليس وارداً إنشاء جبهة تضمّ القوى المتضررة من حلف الحريري - باسيل، بل هناك مجرد تلاقٍ في المصالح ومحاولات تنسيق بينها. وسيحاول كل طرف أن «يحفظ رأسه» منفرداً إذا أمكن… ويترك الآخرين ليتدبّروا أمورهم.

هذه الأجواء يعرفها ركنا الحلف السلطوي اللذان يضحكان في سرّهما. ولذلك، بعد لقاء «بيت الوسط»، سُمِع في الأوساط القريبة من باسيل كلام يقول: إتفاقنا قوي مع الحريري. دعوهم. إنهم يحاربون طواحين الهواء. والطواحين ستدور وتطحن... ولا أحد قادر على إيقافها!