التحالف الدولي يقر بفداحة انتهاكات الجماعات الإرهابية، ويتغاضى عن الخطر الدائم للنظام الإيراني الذي يتولى تجنيد العناصر الإرهابية وتدريبها وتمويلها وتوقيت إطلاقها ويناور بها.
 

رغم ما اتسمت به زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى إيران من مجاملات طوّقه بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عندما أفاض بتوصيف عمق العلاقة بين البلدين، وما ألقاه على عاتق الوزير الضيف من مسؤوليات لكسر العقوبات الأميركية وعدم الالتزام بها وتكرار ذلك في المؤتمر الصحافي، إلا أن الوزير الألماني ردّ على ظريف بالقول “نحن نبذل ما في وسعنا، لكننا بالطبع لا يمكننا القيام بالمعجزات”.

هذا الرد الذي سبق تفجير الناقلتين في خليج عمان بيومين يضعنا أمام مجمل سياسة الاسترضاء الأوروبية للطرف الإيراني والتي وصلت إلى مقياس التخوف من تهديدات طهران، ليس فقط بسبب وقاحة مدة الإنذار لشهرين، وهي مدة لم يتبق منها سوى أسبوع وأكد عليها الرئيس حسن روحاني في الاجتماع الموسع لقادة منظمة شانغهاي للتعاون من أن إيران ستتخذ خطوات أخرى للحد من التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وأعقبتها توضيحات من مسؤولين في النظام الإيراني تناولت زيادة تخصيب اليورانيوم وإنتاج كميات من الماء الثقيل وأجهزة الطرد المركزي.

لكن تعليق وزير الخارجية الألماني بعدم القدرة على اجتراح المعجزات، يبين سقف الضغوط الإيرانية على ألمانيا والإتحاد الأوروبي لرفض الاستجابة لمحاذير خرق العقوبات، ذلك يؤكد على مدى الاستياء الأوروبي من التلميحات والتصريحات الإيرانية التي تتعلق بإطلاق أوسع هجرة إلى أوروبا للأفغان المتواجدين على الأراضي الإيرانية والبالغة أعدادهم قرابة الثلاثة ملايين، أو التلويح بمدى الصواريخ الباليستية وإمكانية وصولها إلى أوروبا، أو تخفيف الرقابة على تجارة المخدرات وتنشيط الحرب السيبرانية وغيرها، بأسلوب تصدير الثورة على طريقة ما ورد في قمة بغداد لبرلمانات دول جوار العراق على لسان رئيس الوفد البرلماني الإيراني علاء الدين بروجردي عندما قال إن “إيران أكثر بلدان المنطقة تمتعًا بالأمن، وهي ترغب في نقل ما تتمتع به إلى دول الجوار”.

الرابط المشترك للمساعي الأوروبية يتوقف أساسا على التزام إيران بالاتفاق النووي، لذلك فإن الحد من التزام طهران ببعض بنود الاتفاق يصيب أوروبا بالحرج لإصرارها على الإبقاء على الاتفاق ورغبتها في عدم اللحاق بالانسحاب الأميركي منه، والذي أدى كما أكدت الوقائع، إلى تقويض قدرات النظام الإيراني وأذرعه الإرهابية في المنطقة، وهو ما دفع النظام إلى الإفصاح عن نيته في غلق الملاحة البحرية بوجه صادرات النفط العالمية وتهوره بالقيام بعمليات إرهابية متصلة يُتوقع أن تستمر نظرا إلى ورطة النظام الداخلية.

التصعيد في مضامينه الأساسية يتوجه إلى أوروبا لأن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس دونالد ترامب تجاوزتا مرحلة التحسب والقلق إلى مرحلة المواجهة في العقوبات الاقتصادية وتصفير النفط وقرار وضع الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية وشمول الصناعة البتروكيميائية بتلك العقوبات المتدرجة، والتي من المحتمل أن تطال وزارة مخابرات النظام وشبكة مقراته الدبلوماسية في دول العالم والتي ثبت تورط العديد منها بعمليات إرهابية ومحاولات اغتيال.

الحرب العالمية على الإرهاب، ومنها التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش في العراق وسوريا وبما تم تحشيده من إمكانات عسكرية وحجم إنفاق مفتوح وجهد حربي ولوجستي، تبدو متناقضة عند مقارنتها بعدم الإجماع على محاربة تنظيم الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم.

بمعنى أن التحالف الدولي يقر بفداحة انتهاكات الجماعات الإرهابية، ويتغاضى عن الخطر الدائم للنظام الإيراني الذي يتولى تجنيد العناصر الإرهابية وتدريبها وتمويلها وتوقيت إطلاقها ويناور بها، سياسيا واقتصاديا، لتمويل حرسه ومشروعه الذي أرعب وهجّر وقتل المواطنين ودمر مدنهم في أكثر من دولة عربية.

عندما تمتلك الأذرع الإيرانية كالميليشيات الحوثية الصواريخ الباليستية وأحدث المعدات العسكرية، ماذا يعني ذلك سوى أن النظام الإيراني بمعداته وأسلحته وأيديولوجيته الإرهابية يستقر في اليمن.

في إيران نعلم أن الحرس الثوري يحمي نظام ولاية الفقيه بصفته النظام السياسي الحاكم في إيران، لكن ماذا تحمي الميليشيات التابعة للحرس الثوري في العراق؟ بكل تأكيد إنها تضع النظام السياسي في خدمة مصالح النظام الإيراني وإدامته مع حرسه تحديدًا في ظل العقوبات، وفي هذا الباب يندرج الكشف مؤخرا عن الشركات التجارية في العراق وسوريا والتي تعمل تحت مظلة الحرس الثوري وإن كان لا جديد فيها إلا ما يتعلق بتشديد الرقابة على خروقات النظام الإيراني بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق وملحقاته وشروط مايك بومبيو الـ12.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها أيضا 12 سؤالا موجها إلى إيران دون إجابة منذ سنوات بل أصبحت معلقة في فضاء سياسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي تجاوز كل الاحترازات النووية من أجل التوقيع على الاتفاق وترحيل الأزمة واحتمالات التسلح إلى إدارات أميركية لاحقة. تلك السياسة أصبحت بالنسبة إلى الإدارة الجديدة من الماضي، وهي أيضا بذات المعنى بالنسبة للعرب ودول الخليج العربي تحديدا بعد استفحال الإرهاب الإيراني واستمرار تهديده لعواصم عربية أخرى غير العواصم الأربع التي ذهبت أدراج رياح المشروع الإيراني وبعد انتقال إرهاب الملالي إلى حرب الناقلات والنفط.

أي أن تعهدات المرشد علي خامنئي القديمة والجديدة بعدم إنتاج السلاح النووي، لأن ذلك لا يتفق مع قواعد الإسلام، تدحضها التهديدات الإيرانية بالحد من التزاماتها ببنود إنتاج السلاح النووي، مما يفرض على العرب ودول الخليج العربي التزامات المطالبة بالانضمام إلى أي مفاوضات نووية مقبلة مع إيران لأن مقرراتها ستكون ذات صلة بالأمن القومي العربي ومستقبل ومصير شعوبنا.

بعد كل إرهاب النظام الإيراني في المنطقة وعلى امتداد العالم هناك من يرى أهمية الاسترخاء إزاء الأزمة مع إيران، لأن المواجهة معها قد تؤدي إلى الفوضى، معولًا على تغيير سلوك النظام، متجاهلا أن تصدير الأزمات والخراب والإرهاب إلى الخارج بعض من عقيدة النظام في حماية أمنه الداخلي، إضافة إلى رهاناته على الحروب بالوكالة لأنها تعمل وفق آلية الحجاب الحاجز الذي يحتمي به ملالي طهران كلما تداعت ولاية الفقيه من الباطن.