مثل واحد مضحكٌ مبكٍ، يكفي لوصف النقاش حول الموازنة وأرقامها. موازنة 2018 التي اتخذت منها الحكومة معياراً للقول انها خفضت العجز من 11 ونصف في المئة الى 7 ونصف في المئة، لم تكتمل أرقامها بعد، أي انّ خفض العجز النظري من 11 ونصف في المئة الى 7 ونصف في المئة (فعلياً الخفض من 8 ونصف الى 7 ونصف في المئة) سيبقى نظرياً حتى اتمام ارقام العام 2018، التي وصل احتساب العجز فيها حتى شهر تشرين الثاني، ما يعني أنّ الأرقام الرسمية عن هذه السنة وبالتالي عن المقارنة مع 2019 غير موضوعية.
 

هذا هو المبكي، أما المضحك، فهي الرواية التي أُعطيت للنواب في لجنة المال والموازنة، حول سبب عدم استكمال حسابات العام 2008. السبب يعود حسب الرواية الرسمية الى انّ الموظفة المسؤولة عن الحسابات توفي والدها، وبالتالي الحسابات لم تكتمل.

يقول أحد نواب المعارضة واصفاً الوضع بأنه يشبه العصفورية: الرحمة لوالد الموظفة ونشاركها الحزن، لكن ما علاقة الأمر بعدم استكمال حسابات العام 2018، انها فعلاً عصفورية».

تطرح أوساط معارضة شكوكاً كثيرة حول أرقام الموازنة وحول دقة احتساب الواردات والنفقات، فبالنسبة الى الواردات تم شطب كثير مما تضمنته الموازنة في لجنة المال، وعلى رغم من التعهد بتعويض هذه الواردات، فمن أين سيؤمن التعويض؟ وما هو ضمان الالتزام بدقة الارقام؟ وكيف يمكن الاطمئنان الى ارقام مقارنة مع العام 2018، في حين لم تُستَكمَل تلك الأرقام حتى نهاية السنة.

تطرح الأوساط أيضاً أسئلة كبيرة حول ازدواجية الأدوار بين الحكومة وكتلتها النيابية التي تمثل الاكثرية النيابية الساحقة، هذه الازدواجية دفعت نواباً معارضين الى سؤال زملائهم: هل من يمثلونكم في الحكومة ينتمون الى حزب آخر غير الذي تنتمون اليه؟ وهل نناقش نحن نواباً يخالفون مرجعية أحزابهم الممثلة في الحكومة، فما هي هذه المهزلة؟

تشير الأوساط الى وجود استياء كبير لدى الدول المانحة من الاداء الاقتصادي، فإقرار الموازنة الذي يفترض أن يكون حدثاً ايجابياً يضيف الثقة الى صورة لبنان الاقتصادية، بَدا كمَن استُنزف الى الحدود القصوى، بفعل أزمة الحكم، والنزعات الشعبوية، والجلسات الماراتونية للحكومة، ومن بعد ذلك الانقلاب على التفاهمات والأرقام في لجنة المال والموازنة، وربما مزيد من الانقلاب في الهيئة العامة.

وتكشف الاوساط انّ هناك استياء لدى الدول المانحة من عدم تلبية الشروط المفترض أن توضع لضمان الشفافية في اقامة مشاريع البنية التحتية ومنها الكهرباء والاتصالات، ومنها تعيين الهيئات الناظمة والمجالس العليا للخصخصة، وكلها هيئات يفترض أن تتشكل لكي تشرف على التنفيذ، إذ تريد الدول المانحة أن يكون لها إشراف واضح، لمنع دخول مشاريع البنية التحتية في نفق العمولات وسوء التنفيذ.

وتضيف الأوساط أنّ بعض الدول المانحة أوصَل احتجاجاً واضحاً في هذا الإطار، وتواصلت الحكومة مع البنك الدولي الذي دعا الدول المانحة الى اجتماع لم تتم تلبيته بحماسة، وهذا ما يؤشر الى وجود أزمة ثقة، لن يتم تجاوزها، ويمكن أن تؤدي الى خفض قيمة الأموال التي ستمنح للبنان على شكل قروض ميسّرة، ويبقى أنّ الدور الفرنسي الداعم للبنان على رغم من كل هذه الملاحظات هو الذي سيؤدي في النهاية الى صرف هذه الاموال، لكن من دون التأكد مما اذا كان المبلغ المرصود، قد يصرف بكامله، علماً انّ الدول المانحة تُدقق بكل التفاصيل في ما يتعلق بالموازنة وبالاصلاحات الخجولة ونسبة العجز وسلامة الارقام، وهذا التدقيق مرشحٌ لأن يكون أكثر صرامة مع بدء تنفيذ المشاريع، لتلافي تكرار ضياع الأموال في سياسة هدر العمولات.