الكرة في ملعب لبنان عندما يرى مصلحة في التفاوض!
 

أُثير مؤخرا وعلى نحو لافت للانتباه السياسي موضوع ترسيم وتحديد الحدود بين لبنان وسوريا، لا سيما الحدود البحرية في الشمال مع انشغال البلدين بموضوع تحديد بلوكات منصات النفط والغاز في البحر، ولكن بالتوازي مع مهمة مساعد وزير الخارجية الاميركية للشرق الادنى ديفيد ساترفيلد لتحديد الحدود الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة، ووسط معلومات عن مراسلات سورية رسمية للبنان تطلب البدء بالتفاوض حول تحديد الحدود، وخلاف على بعض المناطق المشتركة بين البلدين في البحر ضمن البلوكين الاول والثاني اللذين حددهما لبنان من ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية له.

ولم تتوافر معلومات رسمية حتى الان عن دقة وصحة حصول الطلب السوري تحديد الحدود الشمالية البحرية مع لبنان، وإن كانت مصادر رسمية متابعة للعلاقات اللبنانية – السورية لا تستبعد ان تكون وزارة الخارجية السورية قد راسلت نظيرتها اللبنانية بهذا الخصوص، لكن لم يصدر ما يؤكد ذلك رسميا لا من الجانب اللبناني ولا من الجانب السوري.

وتفيد المصادر ان هذا الموضوع ليس مستجدا وسبق ان طُرح من العام 2010، لكن تطورات الحرب في سوريا اغلقت الموضوع الى حين بدء الحديث والعمل على استثمار الثروات النفطية والغازية في البحر المتوسط من الدول المتشاطئة. وتضيف: ان لبنان هو الجهة المعنية ايضا بموضوع تحديد الحدود وليس سوريا فقط، وعلى لبنان ان يقرر موقفه بشأن التفاوض مع سوريا حول ملف الحدود البحرية والبرية ايضا، ولكن هذا الامر الان - مثل اي امر حيوي وجوهري - خاضع للتوافق السياسي، بوجود اراء داخل الحكم وبخاصة في مجلس الوزراء ترفض التفاوض مع السلطات السورية لأسباب متعددة، منها المعروف سياسيا بموقف بعض الاطراف السياسية من النظام السوري، ومنها المستبطن ربطا بالوضع الاقليمي وامتداداته اللبنانية.

بالمقابل، تنفي مصادر دبلوماسية مطلعة على الموقف السوري وجود معلومات لدى السفارة السورية في بيروت عن طلب سوري من لبنان لتحديد الحدود «إلاّ اذا كانت السفارة لا تعلم ما اذا كانت الخارجية السورية راسلت الخارجية اللبنانية، وهذا امر مستبعد كليّاً، فكل خطوة تنسقها الخارجية مع سفارتها في بيروت».

وتقول المصادر: «ان الموقف السوري الرسمي يفيد ان الأمور مع لبنان غير مقفلة، وكل الامور قابلة للنقاش والحوار بما يفيد مصلحة البلدين الشقيقين، وبالتالي لا عقدة في موضوع التفاوض اذا اراد أيّ من الطرفين فتحه».

لكن المصادر تعتقد ان إثارة الموضوع بالطريقة التي أُثير بها والحديث عن نية سوريا سلب لبنان الف كيلومتر مربع من مياهه الاقليمية، هو امر ربما يهدف الى خلق مشكلة لا مبرر لها ومن لا شيء حسيا على الارض بين لبنان وسوريا، ولذلك يفترض بلبنان اذا شعر انه متضرر او مغبون في موضوع حدوده البحرية الشمالية ان يفاتح السلطات الرسمية في  سوريا بالموضوع ويبدأ البحث جدّيا بالمعالجة، قبل ان يستفحل الامر ويتحول الى امر واقع جديد معقد لا حل له. مشيرة في هذا الصدد الى الحوارات التي جرت مع السلطات السورية قبل الان وادت الى نتائج ايجابية حول موضوع الشحن وفتح الحدود البرية امام البضائع اللبنانية باتجاه دول الخليج عبر سوريا والاردن، لذلك لا شيء يمنع من أن يفتح لبنان حوارا حول الحدود البحرية في الشمال طالما ان بلوكات النفط مشتركة او متداخلة ومتقاربة بين البلدين.

لذلك ثمة من يعتقد ان الكرة هي الان في ملعب لبنان، وعليه ان يبادر الى حل الخلاف الحدودي مع سوريا، كما وافق على الوساطة الاميركية لحل الخلاف الحدودي في الجنوب مع الكيان الاسرائيلي، وكما فعلت دول الجوار مثل قبرص واليونان لحل خلافاتها حول الحدود مع الدول الاخرى.

ويبدو من اتجاه الامور ان اي حوار لبناني مع سوريا لا زال يخضع لقرار سياسي، لتحديد مواضيع البحث والجهة التي ستتولى التفاوض وحدود هذا التفاوض، والنتائج المتوخاة منه، وكما ان للبنان حساباته السياسية الداخلية والاقليمية بما يرى انها تلبي مصالحه، فكذلك لسوريا حساباتها الداخلية والاقليمية التي ترى انها تلبي مصالحها. واذا كان لبنان يفاوض عدوه الاسرائيلي على تحديد حدوده بما يلبي مصالحه وسيادته الوطنية، فمن الاولى ان يفاوض «الشقيق الاقرب» وبلا وسطاء اجانب او دوليين طالما ان الامر متاح، برغم ما يعتري العلاقات الان من التباسات او توترات او مواقف من بعض الاطراف السياسية. فقنوات الحوار موجودة والتواصل بينها اسهل بكثير من التواصل مع الكيان الاسرائيلي.