سلطنة عمان منزعجة من تصعيد إيراني يفقدها دور الوسيط.
 

 حرصت الولايات المتحدة على إظهار موقف أكثر حزما هذه المرة بعد تكرر استهداف إيران لإمدادات النفط في خليج عمان. وبدا الرئيس دونالد ترامب أكثر وضوحا حين حذر الإيرانيين من أن إمدادات النفط لن تتوقف وأن لا أحد يستطيع أن يغلق مضيق هرمز لـ”فترات طويلة”.

يأتي هذا فيما سعت دول مثل روسيا وألمانيا إلى التهدئة والحث على انتظار نتائج التحقيق في هجوم الخميس على ناقلتي نفط في خليج عمان. كما بدت سلطنة عمان منزعجة من التصعيد الإيراني الذي يتجه لحرمانها من دور الوسيط الفاعل بين طهران وواشنطن.

وحمّل الرئيس الأميركي، الجمعة، إيران مسؤولية الهجوم الذي استهدف ناقلتي نفط في خليج عمان، الخميس. جاء ذلك في مقابلة له مع برنامج “فوكس أند فريندر” على قناة “فوكس نيوز” الأميركية.

وقال ترامب إن “إيران نفذت (الهجوم) وتعلمون ذلك لأنكم شاهدتم القارب” في إشارة إلى الزورق الذي ظهر في فيديو نشره الجيش الأميركي ويقول إنه لمجموعة من الحرس الثوري الإيراني تقوم بإزالة لغم غير منفجر من إحدى الناقلتين اللتين تعرضتا لاعتداء الخميس.

وأضاف “الولايات المتحدة تأخذ ما حدث على محمل الجد”. كما أطلق تحذيرا واضحا لإيران مفاده أن لا أحد يقدر على إغلاق مضيق هرمز الذي يعتبر ممرا حيويا لإمدادات النفط العالمية.

وقال “لن يقوموا بإغلاقه، لن يغلق، لن يغلق لفترة طويلة وهم يعلمون ذلك. ولقد أبلغوا بذلك بأشد العبارات”.

ويقول مراقبون إن إدارة ترامب رفعت هذه المرة من سقف موقفها تجاه الهجمات الإيرانية وبدا أنه رد على اتهامات سابقة لها بالتردد والارتباك، وهو ما تستفيد منه طهران في استهدافها لناقلات النفط وتعريض أمن الملاحة للخطر.

وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في تصريح أمام الصحافيين في واشنطن، الخميس، اتهم فيه طهران بالوقوف خلف استهداف ناقلات النفط، معتبرا أن الأحداث الأخيرة “تمثّل تهديدا واضحا للأمن والسلم الدوليين، وهجوما فاضحا على حرية الملاحة وتصعيدا للتوتّرات من جانب إيران غير مقبول”.

ورغم التغيير في اللهجة الأميركية تجاه الهجمات الإيرانية، فإن خبراء ومحللين سياسيين يستبعدون أن تمر واشنطن إلى خطوات عملية للرد على التحدي الذي يمثله الحرس الثوري والخلايا التي كلفها بمهمة إرباك حركة تصدير النفط كرد مباشر على العقوبات الأميركية التي استهدفت منع طهران من تصدير نفطها.

ويميل ريتشارد سبينسر في صحيفة التايمز البريطانية إلى اعتبار هجوم الخميس رسالة مباشرة من المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، الذي كان ولا يزال يهدد بأنه سيرد على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة.

ويقول إنه إذا كان تفجير الخميس هو رد خامنئي، فإنه رد قاس ينبئ عن أنه رفض حاد ومروع للتفاوض مع الأميركيين.

لكن أدريان بلومفيلد، الكاتب في صحيفة الدايلي تلغراف البريطانية يحذر من أنه من الخطأ استبعاد الحرب اعتمادا على استنتاج بأن إيران ستكون عقلانية في تصرفاتها، في الوقت الذي ملأ ترامب المنطقة بقواته البحرية، في محاولة لمنع إيران من بيع النفط.

وقال بلومفيلد إنه رغم علم إيران، وعلى مدى أربعين عاما، أنه ليست لديها القوة العسكرية أو المالية اللازمة للوقوف في وجه “الشيطان الأكبر”، فقد سعت إلى التنافس استراتيجيا مع واشنطن. وتضمن ذلك تسليح ميليشيات مستعدة لخوض حرب عصابات مع حلفاء الولايات المتحدة، من أمثال حزب الله وحماس والحوثيين، والعمل سرا على برنامج تعتقد واشنطن أنه تم تصميمه لصنع قنبلة نووية.

وحثت روسيا الجمعة على “ضبط النفس″ و”عدم استخلاص نتائج متسرعة” حتى “الانتهاء من تحقيق دولي شامل وحيادي”.

من جانبها، قالت ألمانيا إن التسجيل المصور الذي نشره الجيش الأميركي ليس كافيا لتوجيه اللوم لإيران. ووجه الاتحاد الأوروبي والصين نداءين لجميع الأطراف بضبط النفس.

من جانبه، دعا رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى بذل جهود من أجل تحقيق “التهدئة”، وذلك خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي الجمعة.

بالمقابل، ظهر ارتباك واضح على موقف سلطنة عُمان من الأحداث الأخيرة في الخليج التي عكست إصرارا إيرانيا على التصعيد. ولاحظت مصادر خليجية أن السلطنة تحدّثت للمرة الأولى، عبر مصدر في وزارة الخارجية، عن “اهتمام بالغ” بأحداث اليمن وبالهجوم الذي تعرّض له مطار أبها المدني في المملكة العربية السعودية.

كما كشف التلفزيون العماني أن السلطنة أرسلت سفينتي إنقاذ تابعتين لبحريتها للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ بعد الهجوم الذي تعرضت له ناقلتان في بحر عمان.

وكشف هذان الموقفان عن رغبة واضحة في الدفاع عن الدور العُماني في وقت بدا أن الأحداث في المنطقة ذاهبة إلى المزيد من التدهور والتصعيد، فيما تصرّ الإدارة الأميركية على متابعة سياسة فرض العقوبات على الاقتصاد الإيراني.

وأوضحت المصادر الخليجية أن الارتباك العماني يعود إلى أسباب عدة في مقدّمها العلاقة الخاصة التي تربط السلطنة بإيران والتي سمحت لعُمان بلعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن.

وأشارت إلى أنّ إصرار جهات معيّنة في طهران على التصعيد إن عبر القصف الحوثي لمطار أبها جنوب السعودية أو عبر مهاجمة ناقلات نفط في الخليج، في منطقة غير بعيدة عن مضيق هرمز، يزيد في الارتباك العماني.

وقالت إن المعنى الوحيد للتصعيد هو أنّ سلطنة عمان بدأت تفقد دورها التقليدي بين أميركا وإيران. إضافة إلى ذلك، فإنّ الاعتداء الحوثي على مطار مدني في السعودية يشير إلى أن ما بقي من نفوذ للسلطنة على الحوثيين لم يعد موجودا.

ولاحظت المصادر أنّ سلطنة عُمان لم تعد تستطيع الذهاب بعيدا في استعداء الأكثرية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ولعب دور الطير الذي يغرّد خارج سربه، خصوصا أنّها حرصت دائما على تقديم نفسها كدولة مسؤولة وواقعية في الوقت ذاته. وأعطت أبرز دليلين على ذلك؛ العلاقة الخاصة التي باتت تربط بين سلطنة عُمان وإسرائيل من جهة وزيادة الوجود العسكري الأميركي في الأراضي العُمانية من جهة أخرى.