رغم مرور ستة أشهر من عام 2019، لم تنشر وزارة المال النتائج النهائية لعام 2018. ما بات واضحاً، أن الوزارة تسعى الى تضليل الرأي العام من خلال تأخير نشر نتائج الإيرادات والنفقات لعام 2018 للتعمية على النقاش الدائر بشأن أرقام مشروع موازنة 2019 الذي يناقش اليوم في لجنة المال والموازنة. فهناك فروقات كبيرة بين الأرقام التقديرية في مشروع موازنة العام الماضي، والأرقام الفعلية المحققة، وهناك فروقات أيضاً بين نتائج 2017 و2018، ما يعني أنه ليس هناك التزام بتنفيذ الموازنات، بل هناك تجاوز فاضح لها.

بحسب مصادر مطلعة، تبيّن أن النفقات الفعلية المحققة في نهاية عام 2018 بلغت 26800 مليار ليرة، وأن الإيرادات الفعلية المحققة بلغت 17400 مليار ليرة، وبلغ العجز 9400 مليار ليرة (6.2 مليارات دولار).
في المقابل، يدّعي مشروع موازنة 2019 أنه سيخفض العجز بقيمة 5100 مليار ليرة من خلال خفض النفقات بقيمة 3500 مليار ليرة وزيادة الإيرادات بقيمة 1600 مليار ليرة، إذ ورد في مشروع قانون موازنة 2019 الذي أقرّه مجلس الوزراء أن النفقات ستبلغ 23339 مليار ليرة، والإيرادات ستبلغ 19015 مليار ليرة والعجز سينخفض إلى 4322 مليار ليرة (2.86 مليار دولار).
وفي مقابل هذه الفجوة الهائلة بين تقديرات الموازنة للسنة الجارية، والنتائج الفعلية للسنة الماضية، هناك فجوة مماثلة بين نتائج 2017 ونتائج 2018. فقد تبيّن أن النفقات ازدادت في عام 2018 مقارنة مع 2017، بقيمة 3600 مليار ليرة (2.4 مليار دولار)، والإيرادات سجّلت تراجعاً طفيفاً بقيمة 115 مليار ليرة، علماً بأنه كان ينبغي لها أن تزداد بالاستناد إلى تقديرات وزارة المال أثناء مناقشة قانون سلسلة الرتب والرواتب والضرائب التي أقرَّت بهدف تمويلها.
تأتي هذه النتائج المالية في ظل أوضاع مالية متدهورة، إذ سجّل ميزان المدفوعات عجزاً في أول أربعة أشهر من السنة الجارية بقيمة 3.3 مليارات دولار (مقارنة مع عجز 4.6 مليارات دولار خلال السنة الماضية بكاملها)، ويتردّد بين المطلعين أن العجز ارتفع في الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية بقيمة 5 مليارات دولار. كذلك، تبيّن أن الودائع تقلصت بمعدل 1% في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019.


كذلك، تأتي هذه الأرقام لتسلّط الضوء على مناقشات مشروع موازنة 2019 الذي تعتبره الحكومة مدخلاً لتحرير أموال «سيدر» التي قد تؤمّن شراء المزيد من الوقت وضخّ الأوكسيجين في عروق النموذج الاقتصادي الذي يعاني، في انتظار حلّ ما ينتشله من غرفة الإنعاش. قد يكون الحلّ الذي تراهن عليه الحكومة بما تمثّله من القوى السياسية، هو بدء استخراج النفط وبيعه. بمعنى آخر، تفرض هذه القوى على لبنان أن يدفع فاتورة هائلة لشراء الوقت في انتظار النفط الذي سيتيح لها العودة إلى نمط التبذير والهدر السابقين.
طبعاً، لا تقرّ القوى السياسية بأن أزمة اقتصاد لبنان هي أزمة عجز ميزان مدفوعات، أي أن الأموال بالعملات الأجنبية التي تخرج من لبنان، أكثر بكثير من تلك التي تدخل إليه. وهي في هذا الإطار تكرّس سلوكها المتهوّر في زيادة الضرائب على الاستهلاك، وإعفاء كبار المكلفين من تهرّبهم من تسديد الضرائب، وتزيد الأعباء على الأجور والرواتب وعلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، وسط توقعات بأن ينكمش الاقتصاد بمعدل 1%، ما يثير الكثير من الشكوك حول إمكان تحصيل الضرائب التي ستقرّ في مشروع موازنة 2019.
والأسوأ من كل ذلك، أن هذه القوى السياسية ترى الوضع خطراً، لكنها لا تدرك مكامن الخطر. واحد من أهم مؤشرات هذا الخطر، هو التضخّم الذي بلغ في السنة الماضية 6%، فيما النمو الاقتصادي يتباطأ مسجّلاً 0.25%. بتعريف عدد من الخبراء الاقتصاديين، إن تزامن هذين العاملين يعني أن اقتصاد لبنان يمرّ بمرحلة ركود تضخّمي وهي من أسوأ المراحل التي يمرّ بها أي اقتصاد في العالم.
على أي حال، يسجّل في عام 2018، تراجع إيرادات ضريبة الأرباح بنسبة 35%، وإيرادات رسوم التسجيل العقاري، وتحويلات وزارة الاتصالات بنسبة 16%. وفي المقابل تضاعفت إيرادات ضريبة الفوائد بعد زيادتها من 5% إلى 7% وبعد ارتفاع معدلات الفوائد في السوق المالية المحلية، وازدادت إيرادات ضريبة القيمة المضافة بنسبة 10% بعد زيادتها لتصبح 11%.
وعلى صعيد النفقات، ازدادت كلفة الأجور والرواتب وملحقاتها بنحو مليار دولار، فيما ازدادت التحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان بنحو 430 مليون دولار، وازدادت كلفة خدمة الدين العام بنحو 420 مليون دولار.
وبنتيجة هذه التطورات على النفقات والإيرادات، تضاعف العجز في 2018 من 3.7 مليارات دولار في نهاية 2017، إلى 6.3 مليارات دولار في نهاية 2018.