اقليمياً، أنظار العالم كله اتجهت نحو الخليج، رصداً للتطورات المتسارعة التي يشهدها منذ اسابيع عدة، وبلغت درجة عالية من التوتر في الساعات الثماني والاربعين الماضية، بعد حادث تفجير ناقلتي النفط، ما عزّز المخاوف من تطور الأمور الى حدود المواجهة العسكرية، وخصوصاً انّ وتيرة التهديدات الاميركية لإيران ارتفعت بوتيرة غير مسبوقة، مقرونة باتهامات مباشرة لإيران بالوقوف وراء تفجير الناقلتين، بهدف تعطيل تدفّق النفط عبر مضيق هرمز.

وأمام هذه الصورة المفتوحة على احتمالات شتى، يتابع لبنان مجريات الأحداث المتسارعة في الخليج، والمراجع السياسية والرسمية على حدّ سواء، ترى الصورة ملبّدة بالغيوم السوداء، وتُبدي الخشية من تداعياتها، ليس فقط على امتداد جغرافية المنطقة بأسرها، ولبنان من ضمنها وليس معزولًا عنها، بل على مستوى العالم.

تداعيات سلبية
وفي هذا السياق، قال مرجع كبير لـ"الجمهورية": "انّ المنطقة بالتطورات التي تشهدها، أشبه ما تكون بنار مشتعلة تحت برميل بارود، وكل المؤشرات التي تحيط بهذا الوضع تشي بأن الامور تنحى في اتجاه تصاعدي، الذي قد يصل في أي لحظة الى الانفجار. وهو ما تدفع اليه اسرائيل بكل قوة، ومعها آخرون في المنطقة والخليج".

ولفت المرجع، الى انّ الانفجار إن حصل، معناه انّ المنطقة بأسرها، ستكون امام تحوّلات دراماتيكية، يُخشى معها ان تتمدّد النار الى أمكنة وجبهات اخرى.

واشار الى "انّ التداعيات السلبية لما يجري لن تكون محصورة بنقاط التوتر، بل ستشمل كل العالم، وقد بدأت نذرها تظهر مسبقاً قبل الإنفجار، من خلال الإرباك الذي طال سوق النفط العالمي وارتفاع اسعاره".

وأعرب عن تخوّفه من وضع صعب قد يسقط على لبنان جرّاء ذلك، شأنه في ذلك شأن كل دول المنطقة. الّا انّ مشكلة لبنان، انّ هذا الوضع الذي قد يشهده، يُضاف الى وضعه الهش والشديد التأزّم على كل المستويات، وتحديداً على المستوى الاقتصادي. والمخيف في الأمر، انّ لبنان يفتقد اصلاً الى عناصر الحماية لوضعه الداخلي ولاحتواء أزمته، فكيف اذا تطور الأمر الى مواجهة في المنطقة توزع شظاياها في كل الاتجاهات.

لا حرب ولا تفاوض
وقال مرجع أمني رفيع لـ"الجمهورية"، انّه يستبعد اي تطور دراماتيكي لحادثة مضيق هرمز. معرباً عن اعتقاده انّ ما يجري قد يكون رسائل ساخنة ومتبادلة بين واشنطن وطهران.

وأشار المرجع الى احتمالين، الأول، اذا كانت واشنطن هي المسؤولة عمّا جرى، فمعنى ذلك انّها تقوم بمحاولة ضغط واضحة لجلب إيران الى طاولة التفاوض، والاكيد انّ ايران لن تفاوض. اما اذا كانت ايران وراء ما جرى، وهناك من يعتقد ذلك، فإنّها بذلك تكون قد ارسلت رسالة بالنار الى الاميركيين وحلفائهم من الدول المحرّضة في المنطقة، مفادها انّ لا احد يبيع النفط اذا مُنع على ايران بيع نفطها. اما اختيار مضيق هرمز، لأهميتة البالغة استراتيجياً وجغرافيا، فهذا معناه إن كانت ايران هي وراء الحادث، فإنّها تقول هذا المضيق تحت سيطرتنا.

ورأى المرجع، "انّ كل المعطيات والمعلومات تؤكّد انّ ايران ستنتظر حتى ايلول ولن تفاوض تحت اي ثمن، حتى لا تعطي ترامب ورقة لصالحه في الانتخابات الرئاسية الاميركية، خصوصاً انّ موقف طهران سيصبح اقوى في ذلك الحين، وبالتالي توصيف الحالة حالياً هو لا حرب ولا تفاوض وتقطيع وقت، ذلك انّ الحرب، كما هي ليست في مصلحة ايران ، فهي ايضاً ليست لمصلحة واشنطن، لانّ إقدامها عليها سيرفع اسعار النفط، وسيؤدي ذلك الى سقوط ضحايا، والرأي العام الاميركي لن يقبل بذلك، وبالتالي سيخسر ترامب من رصيد يحتاجه في الانتخابات.

جناحان متشددان
الّا انّ مصادر ديبلوماسية عربية، تقلّل من احتمالات الحرب، وقالت لـ"الجمهورية": "الهجوم الذي وقع في بحر عُمان، مثير للتساؤلات في توقيته وهدفه، حيث انّه استهدف ناقلة نفط يابانية، في الوقت الذي كان رئيس وزراء اليابان يقوم بزيارة إلى طهران، حيث تردّد أنّه يحمل رسالة من من الرئيس الاميركي دونالد ترامب لإقناع ايران بالتفاوض، بعد الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاقية النووية وردّ ايران بإجراءات مقابلة".

اضافت المصادر: "من المؤكّد أنّ ثمة جناحاً متشدداً في الادارة الاميركية يريد الذهاب إلى الحرب، ركناه وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الامن القومي جون بولتون، في مقابل جناح آخر يريد التهدئة، حيث يبدو أنّ ترامب، بطبعه البراغماتي، قد انحاز إلى معسكر التهدئة. وبالتالي من غير المستبعد أن يكون الجناح المتشدّد قد اراد من خلال استثمار هذا الهجوم إعادة فرض نفسه، واخذ الرئيس الاميركي الى خياره بالحرب المباشرة على ايران".

 

وبحسب المصادر، فإنّه حتى الآن لا توجد دلائل دامغة تحدّد الجهة التي استهدفت الناقلتين، ومن هنا فإنّ باب الاتهامات السياسية مفتوح على الاستثمار والضغط. كما انّ ايران مُتهمة اميركياً بالوقوف خلف الاعتداء على الناقلتين، ففي الوقت نفسه، يمكن إدراج اسرائيل التي تملك الإمكانات والقدرات على تنفيذ هذا العمل، في خانة الاتهام، كونها المستفيد الاول من اي حرب اميركية على ايران.

ورداً على سؤال، قالت المصادر: "يجب ان نراقب ما حدث في المنطقة في الاسابيع الاخيرة، وصولاً الى ما سبق الهجوم البحري في بحر عمان، اذ انّه أعقب هجوم الحوثيين على مطار أبها، وبالتالي قد يكون توقيت الهجوم المريب، سواء في تزامنه مع زيارة رئيس الوزراء الياباني أو في كونه تلا الهجوم الحوثي، محاولة لتأكيد التهمة على إيران، معززة هذه المرة بأفلام فيديو لتأكيد مسؤولية إيران".

الاّ انّ المصادر الديبلوماسية خلصت الى القول، انّه بالرغم من هدير الحرب في المنطقة، وبالرغم من انّ الجناحين المتشددين في كل من إيران والولايات المتحدة يرغبان في المواجهة ، فإنّ واشنطن وطهران ستبقيان حريصتين على تجنّب حرب كبيرة. هذا لا يعني عدم حدوث مواجهة محدودة وفي مكان مدروس يُكتفى به، الّا انّ الخطورة تكمن في سوء إدارة الأزمة، أو بالأحرى سوء إدارة التصعيد، ما قد يؤدي الى انفلاته، مع ما قد يترتب عليه من خراب وتداعيات.

ساترفيلد يعود
لبنانياً، يُنتظر ان يشكّل مطلع الاسبوع المقبل محطة جديدة يرسو فيها ملف ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، حيث علمت "الجمهورية" انّ الوسيط الاميركي دايفيد ساترفيلد سيعود الى بيروت الاثنين المقبل آتياً من اسرائيل، وسيلتقي مجدداً رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وقالت مصادر مواكبة لملف الترسيم لـ"الجمهورية"، انّه من السابق لأوانه الحديث عن فشل او نجاح الوساطة الاميركية حول ملف الترسيم، خصوصاً ان جولاته المكوكية بين لبنان واسرائيل ما زالت قائمة، ويقوم خلالها بنقل افكار بين الجانبين.

واشارت المصادر، الى انّ المعطيات التي تملكها تؤكّد انّ الامور تسير في الوجهة المؤدية الى بدء مفاوضات الترسيم، ومجيء ساترفيلد مجدداً الاثنين، يفترض ان يأتي معه بأجوبة اسرائيلية نهائية حول الافكار اللبنانية، التي تشدّد على تجاوز مجموعة من التفاصيل التي يعتبرها لبنان اساسية، سواء ما خصّ بعض الخروقات الاسرائيلية على الحدود التي تشكّل خرقاً للخط الازرق، او في ما خصّ المدى الزمني للمفاوضات.

وبحسب المصادر، فإنّ الاشارات الاميركية التي تلقّاها لبنان حيال هذا الامر، تؤكّد اصرار الولايات المتحدة على مسعاها في جمع الطرفين اللبناني والاسرائيلي على طاولة المفاوضات لحسم ملف الترسيم نهائياً، وطبعاً برعاية الامم المتحدة وفي مقرّها في الناقورة، وهذا امر بات محسوماً.

ولفتت المصادر، الى ما اعتبرتها إشارة اميركية جدّية، في انهاء هذا الملف، هو إبلاغ ساترفيلد المسؤولين اللبنانيين بأنّ واشنطن ستعمل على تشجيع الشركات الاميركية للاستثمار في مجال النفط في لبنان.

استراحة
على صعيد آخر، أخذت لجنة المال والموازنة استراحة حتى الاثنين المقبل لتعاود البحث في مشروع موازنة العام 2019، فيما عمّمت الامانة العامة لمجلس الوزراء مساء امس، جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي الثلثاء المقبل بجدول اعمال ضمّ 100 بند، غاب عنها ملف التعيينات.

ويضمّ الجدول مجموعة من البنود العادية تعود الى العديد من الوزارات ونقل اعتمادات مالية الى بعض الوزارات والمؤسسات العامة وفق القاعدة الإثني عشرية، ومجموعة اتفاقات بالتراضي عائدة لبعض الوزارات، ومرسوم رفع الحد الأدنى للأجور وتحويل سلسلة الرواتب للموظفين في هيئة ادارة السير والآليات والمركبات الآلية ومعرض طرابلس الدولي، واعطاء المستخدمين زيادة غلاء معيشة، ومرسوم تشكيل بعثات الحج الرسمية للعام 2019 وإعطاء وزارة الاتصالات حق اصدار بطاقات بريدية لمناسبة ذكرى ميلاد المهاتما غاندي الـ 150 وزيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى السعودية.

وحمل البند مئة مجموعة من أذونات السفر لعدد من الوفود الى نواح مختلفة من دول العالم في زمن التقشف.