إن المراقبين يجزمون بأن خطوة أميركية مرتقبة لا بد من الأقدام عليها تكون أقل من شن حرب بالمعنى الكلاسيكي، وأكثر من مجرد إدانة واستنكار، بل إن المرتقب هو خطوة باتجاه التصعيد العسكري بدون الانزلاق لإشعال المنطقة.
 

لا شك بأن حادثة إحراق ناقلتي النفط السعودي (ترفع علم بنما) والإماراتي (ترفع علم جزر مارشال) في بحر عمان، يعتبر تحولًا كبيرًا في مسار تسخين الأجواء بتلك المنطقة الحساسة جدًا من العالم.

هذه المرة لم يأت الاعتداء نتاج طائرة مسيرة أو زورق صغير يمكن لجهة صغيرة أن تتبناه على غرار الهجمات السابقة، وإنما كان نتيجة طوربيد والذي يعرف الخبراء العسكريون أن أستعمال هذا النوع من السلاح يحتاج لإمكانيات كبيرة فالطوربيد لا يطلق إلا من غواصة أو من طائرة متخصصة، مما يشير بشكل واضح أن دولة هي من تقف خلف هذا الاعتداء.

فإذا ما جمعنا هذه المقدمة، مع تعثر الوساطة اليابانية وزيادة حجم العقوبات الاميركية على إيران ندرك سريعًا بأن الرسالة التي حملها الطوربيد معه هذه المرة هي رسالة ايرانية واضحة ولا يعتريها  أدنى شك، أرادت القول من خلالها أن مرحلة "الزكزكات" والتحرشات عبر الحلفاء (الحوثيون تحديدًا) انتهت وجاء وقت الجد.

إقرأ أيضًا: أسباب تعقّد المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية، وانعكاساتها

هذا التحول، بقدر ما يحمل بطياته صعوبة الأوضاع في الداخل الايراني، وحجم الأزمة الإقتصادية التي لم تعد تحتمل مما دفع الجانب الإيراني لمحاولة تبديل قواعد اللعبة، فالمراوغة ولعبة الوقت والاستنزاف التي يعتمدها ترامب بالاتكال على خنق النظام الايراني وجره منهكا الى التفاوض لن تكون هي عنوان المرحلة القادمة. 

بالمقابل فإن هذا التطور الكبير لن يمر مرور الكرام، فأميركا بأسطولها وحشدها لن تقرأ الرسالة الطوربيدية كما تشتهي إيران، ومن بديهيات القول أن إستعجال الجلوس على الطاولة لن يكون على وقع دخان الناقلات الأمر الذي يعني وضع الطوربيد على الطاولة وخضوع الأميركي للشروط الإيرانية، وهذا ما يفسر بأن إيران ستحضر من موقع المتفوق خلافا لما يريده الاميركي.

صحيح أن الحادثة قد لا تجر إلى حرب كما يبتغي أعداء ايران، ومن هنا قد نفهم حجم ردود الفعل على الحادثة التي مر على حصولها أكثر من أربعة وعشرين ساعة، إلّا أن المؤكد أيضًا أن أميركا لن تسمح لإيران بفرض قواعد جديدة. 

إقرأ أيضًا: الحريري الضعيف، والتسوية البتراء

وبالتالي فإن المراقبين يجزمون بأن خطوة أميركية مرتقبة لا بد من الاقدام عليها تكون أقل من شن حرب بالمعنى الكلاسيكي، واكثر من مجرد إدانة واستنكار، بل إن المرتقب هو خطوة باتجاه التصعيد العسكري بدون الانزلاق اشعال المنطقة.

وهنا نستذكر مرة جديدة، مرحلة الثمانينات وما سمي حينها ايضا بمرحلة "حرب الناقلات"، وهي الحرب البحرية الشرسة التي تعرضت فيها نحو 260 سفينة وحاملة بحرية نفطية للهجوم، فضلًا عن المئات من السفن التجارية العادية، كان ذلك في ذروة الحرب العراقية الإيرانية .. إلّا أن طهران لم ترضخ يومها وتتجرع كأس السم الا بعد أسقاط الطائرة المدنية الإيرانية وقتل جميع ركابها، حينها أدركت إيران يومها أن الأميركي قد جزم أمره بالتدخل وإنهاء الحرب.

واليوم، فإن أميركا تجد نفسها مضطرة للرد على الرسالة الطوربيدية، لإفهام طهران مرة أخرى أنها جادة في حسم موضوع الحد من الإنتشار الإيراني وتهديد مصالحها ومصالح حلفائها بالمنطقة، وأعتقد أن ذلك سيكون من خلال السماح لدول الخليج بلعب نفس الأسلوب الإيراني من خلال السماح لجيش عبد ربه منصور هادي، من استهداف قلب طهران.