هناك قلقٌ في أوساط «القوات اللبنانية» من إصرار الوزير جبران باسيل على الإمساك بالحصة المسيحية في التعيينات، التي باتت على نار. لكنّ قلق «القوات» الحقيقي موجود في مكان محدَّد: هل تنعقد صفقة أخرى بين رئيس الحكومة سعد الحريري وباسيل تشمل التعيينات وملفات مختلفة، وتكون «القوات» ضحيتها؟ وهنا يبدو المجلس الدستوري أحد أكثر العناوين سخونة.
 

بدأت التحضيرات تتسارع لتعيين أعضاء جدد في المجلس الدستوري. ويتردّد أنّ فريق رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحرّ» جهَّز تشكيلة خماسية كاملة للمقاعد المسيحية (مارونيان وأورثوذكسيان وكاثوليكي) وسيطرحها على الطاولة قريباً. 

ويضمن هذا الفريق بأنّ الأمور ستكون على ما يرام لمجرد إعلان الحريري موافقته عليها، ضمن سلّة التفاهمات المرتقبة حول كثير من الملفات الإدارية والاقتصادية والمالية والأمنية. ويعطي «التيار» انطباعاً بأنّه متفائل بحصول هذه التفاهمات، ومنها التوافق على التشكيلة المسيحية الخماسية في المجلس الدستوري.

فهل سيُضحي الحريري بحصّة «القوات» في المجلس الدستوري، وبحصص القوى المسيحية عموماً في كل المواقع الأخرى، ويحصر التمثيل المسيحي بفريق واحد كما فعل في بعض المسائل على مدى السنوات الثلاث الأولى من العهد؟ 

البعض يرجّح ذلك، ويعتقد أنّ الحريري ما دام موجوداً في الحكم ضمن «التسوية» التي تمّت مع عون عام 2016 فهو أسير التفاهمات الإجبارية معه، ولو على حساب الحلفاء السياسيين في 14 آذار، كـ«القوات اللبنانية» وحزب الكتائب، أو الأصدقاء السياسيين كالوزير السابق سليمان فرنجية. 

ولكن، في ضوء عملية التجاذب العنيفة التي سادت أخيراً بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ»، هناك مَن يعتقد أنّ الحريري لن يكون متحمساً ليبصم لفريق عون السياسي «على بياض» ويسلِّمه الحصص المسيحية كلها. كما أنّ «الانتفاضة» التي شهدتها بيئة الحريري السياسية، والبيئة السنّية عموماً، قد تجعله أكثر حذراً في هذا الشأن.

إضافة إلى ذلك، يعتقد أصحاب هذا الرأي أنّ الحريري لن يتسرَّع في التخلّي عن ورقة الدعم التي يتمتع بها من «القوات» التي وقفت إلى جانبه في الأزمة الأخيرة، خصوصاً أنّ المواجهات الكثيرة المنتظرة في الحكومة تستدعي أن يكون له كثير من الحلفاء الذين يستقوي بهم، وأن لا تكون التغطية المسيحية لأي قرار حكراً على فريق رئيس الجمهورية.

وثمة مَن يتحدث عن رسائل «قواتية» تلقّاها الحريري أخيراً، ومفادها أنّ «القوات» لن تكون مستعدة لتفهّم رئيس الحكومة في أي قرار لعزلها في التعيينات.

والكلام الذي أطلقه الدكتور سمير جعجع في هذا الشأن هو بمثابة إشارة استباقية إلى الذين يعنيهم الأمر. وبالتأكيد، ستكون لأي «خطأ حريريّ» في التعاطي مع هذا الملف تداعيات سياسية داخل مجلس الوزراء وخارجه، وستقود إلى أزمة ثقةٍ بينه وبين حلفائه ليس الآن وقتها. 

يضمّ المجلس الدستوري 10 أعضاء، يعيّن مجلس النواب نصفهم بالغالبية المُطلقة ومجلس الوزراء نصفهم الآخر بأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة، وولايته 6 سنوات غير قابلة للتجديد. وبموجب المادة 3، يتم اختيار الأعضاء مِن ذوي المواصفات الآتية:

1- قضاةُ الشرف الذين مارسوا القضاء العدلي أو الإداري أو المالي مدة 25 سنة على الأقل. 

2- أساتذةُ التعليم العالي الذين مارسوا تعليم مادة من مواد القانون أو العلوم السياسية أو الإدارية مدة 25 سنة على الأقل. 

3- المحامون الذين مارسوا المهنة مدة 25 سنة على الأقل، على أن لا يقلّ عمر العضو عن الخمسين سنة ولا يزيد عن أربع وسبعين. 

وانتهت ولاية المجلس الحالي عام 2015. لكنه مستمر في ممارسة مهماته بناء على المادة 4 من النظام الداخلي. فهي تنصّ على أن الأعضاء يستمرون، عند انتهاء الولاية، في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء منهم وتأدية اليمين.

وسيكون للمجلس دورٌ حيوي في إدارة المرحلة المقبلة، على مختلف المستويات. فلهُ صلاحيات تفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبتّ في النزاعات والطعون الناشئة من الانتخابات الرئاسية والنيابية. وهذا الدور سيكون حيوياً في المرحلة المقبلة من النزاع على السلطة وإنتاج المجلس النيابي المقبل، في ربيع 2022، الذي يُفترض أن يَنتخب رئيساً جديداً للجمهورية، بعد أشهر. 

ويطمح عون إلى عدم تفويت الفرصة السانحة وتحقيق إنجاز، وهو الحصول على رئاسة المجلس الدستوري، إضافة إلى تمثيلٍ وازن. أما «القوات» فتريد كسر أي احتكار محتمل. وتَدخُل على الخط مرجعيات شيعية وسنّية، ولا سيما منها الرئيسان نبيه بري والحريري، لإبداء رأيها والتقارب مع هذا الطرف أو ذاك في هذه المعركة، ما يزيد الصورة تعقيداً.

فالنزاع على المجلس الدستوري سيكون جزءاً من نزاع شامل على المقدّرات في المرحلة المقبلة. فالجميع يريد امتلاك أكبر مقدار من أوراق القوة لإدارة المؤسسات وتحديد الخيارات الاستراتيجية. وكذلك، يعمل الجميع على امتلاك حصّةٍ وازنة في إدارة المليارات الموعودة من مؤتمر «سيدر» وسواه، ولكن أيضاً... في إدارة «التفليسة» ربما!