ساهم الوزير جبران باسيل من دون أن يقصد في مدّ رئيس الحكومة سعد الحريري بعناصر قوة جديدة داخل الطائفة السنية، فالاستفزاز الذي كان يُفترض به أن يؤدي إلى اضعاف الحريري أخرجه رابحاً، وساهم مؤتمره الصحافي في تكريس هذا الفوز مرحلياً، بعد أن خطا خطوة متقدمة في اتجاهين: الأول اعترافه بالاستياء السنّي المبرَّر، والثاني تصويبه على الشريك الذي يتصرف كمضارب في بورصة سياسية لتحقيق كسب سريع، قبل استحقاق الرئاسة.
 

كان الوسط السني يغلي طوال الاسبوع الفائت على وقع كلام باسيل الذي تحقق الحريري من صحته بنفسه، وكان يغلي ايضاً على وقع قرار المحكمة العسكرية بتبرئة سوزان الحاج وما تبعه من ردود فعل غاضبة، وقبل كل ذلك كان باسيل الذي مارس كرئيس للحكومة، يعطل الموازنة ويمرّك على رئيسها، ويقوم بحركة سياسية لا تشبه التسوية، ولا تزيد في رصيد الشريك الحريري.

أول مَن التقطوا طرف خيط الغضب هم الرؤساء السابقون للحكومة، وجميعهم عايشوا «السوبر وزير» في شكل او آخر، وآخرهم الرئيس تمام سلام الذي ضرب بيده على الطاولة قائلاً لباسيل في جلسة متفجرة للحكومة: «لما بحكي بتسكت».

بيان الثلاثة كان غير مسبوق اذ توجهوا الى رئيس الجمهورية ميشال عون لوقف هذا الانزلاق، كذلك وقفوا في وجه الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي أنكر على رئيس الحكومة حقه الدستوري في التكلم باسم لبنان في القمة العربية، لكنهم لم يذهبوا الى حد فتح جبهة او سجال مع الحريري، بل قاموا بحركة معاكسة باتباعهم سياسة مؤازرته لكي يكسب اوراقاً لتصحيح التسوية من الداخل، اي للوقوف في وجه سلوك تعديل «إتفاق الطائف» بالممارسة.

أما بيان مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، فأتى ليُكمِل ما بدأه الرؤساء الثلاثة، وكان الأوضح في توجيه المسؤولية، والتصويب على الخلل المتمادي الذي فاقمه اداء باسيل الذي لم يراع الشراكة ولا الصيغة اللبنانية.


خطا الحريري خطوة مهمة في مؤتمره الصحافي حيث وضع النقاط على حروف اداء باسيل في الحكومة والامن والقضاء والتعيينات، وواجه كلام نصرالله بهدوء ولكن بحزم، الامر الذي يفتح الباب أمام تعديل في موازين التسوية من داخلها، أو إذا تعذّر الامر التلويح ببدء موتها السريري، ووضع الكرة في ملعب عون.

في واجهة المشهد بدا أن الحريري يتعرض لنيران الواقفين على رصيف الحريرية السياسية، والمقصود بنحو اساسي النائب نهاد المشنوق وآخرين لم يتم التأكد من انهم مشمولون بهجوم مقدمات تلفزيون «المستقبل». لكن في خلفية المشهد كانت هناك حركة احتواء يقوم بها الرئيس فؤاد السنيورة والدكتور رضوان السيد، وآخرون الهدف منها عدم تمكين من يسعى الى نقل النار الى البيت الداخلي لتحقيق اهدافه. هذا يعني أن الاعتراض هو على من يحرك باسيل ويشجّعه ضمناً ويستثمر في ادائه، لضرب الدستور والتوازن وقضم الصلاحيات، وتقزيم دور رئيس الحكومة الى درجة استهداف دوره كممثل لبنان في القمة العربية وهذا الطرف معروف.

في خلفية المشهد مؤازرة للحريري اذا قرر تصحيح التوازن وليس الانقلاب عليه، وهذه المؤازرة يمكن أن تتخذ اشكالاً عدة مرنة، يمكن ان تترجم بإحياء إطار سياسي غير سني حصراً يدافع عن «إتفاق الطائف» والدستور وعلاقات لبنان العربية، ويتمسك بالدولة والعيش المشترك، ويكون توازناً من خارج يتناغم مع ما جاهر به الحريري في كلامه لشركائه المفترضين.

في خلفية المشهد توجّس من القوة الاصلية «حزب الله» الذي يحاول قضم الدستور والصلاحيات واستعمال اسلحة بالوكالة لهزّ العيش المشترك، وهذا التوجّس يستلزم اعادة تصويب البوصلة، والاعتراف بالحقائق والوقائع بلا مكابرة، وحين ذاك يسهل الوصول الى رؤية مشتركة بين المنخرطين في التسوية الذين بدأوا يدركون خطورة كمائنها، وبين المعارضين الذين لا يملكون أدوات معارضتها.