هل تبحث طهران عن مخرج للأزمة عبر الإعلان عن إعداد قائمة مرشحين لخلافة خامنئي.
 

في ذروة متابعة زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى إيران، وما يمكن أن تخرج به، تحوّل الانتباه إلى خبرين رئيسيين، لا يمكن عزلهما عن السياق العام للزيارة ولكل التطورات الحاصلة في المنطقة، وفي علاقة بإيران، التي تشهد تطورات حاسمة سيكون لها تأثير كبير على مستقبل البلاد.

كان الخبر الأول إعلان الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات جديدة تتعلق بإيران على شركة مقرها العراق وشريكان فيها مرتبطين بإيران؛ في ما تعلق الخبر الثاني، والذي كان أكثر أهمية من بقية الأخبار، حول إعلان عن قائمة أسماء المرشحين لخلافة المرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي.

يأتي الخبر الأول كإشارة جديدة من البيت الأبيض إلى أن الإدارة الأميركية لن تتسامح مع تهديدات طهران، ويكتسي أهميته من السياق الإقليمي العام الذي يشهد تصعيدا من إيران وضدها، وهذا السياق هو الذي يمنح الخبر الثاني أهميته ويثير الأسئلة حول توقيته وما يحمله من رسائل بين سطوره.

قالت وزارة الخزانة الأميركية إنها شركة «منابع ثروة الجنوب» العراقية على قائمتها السوداء، مشيرة إلى أنها تؤدي دوراً مهمًا في تهريب السلاح وتمويل الحرس الثوري الإيراني.

وتتهم الولايات المتحدة الشركة بالمساعدة في تسهيل شحنات الأسلحة. وأضافت الوزارة أن «شركة منابع ثروات الجنوب للتجارة العامة» ساهمت في نقل ملايين الدولارات إلى العراق من أجل «أنشطة مالية غير مشروعة تصب في مصلحة» الحرس الثوري والميليشيات العراقية التي تدعمه.

وأُدرجت الشركة وعراقيان عملا معها على قائمة العقوبات الأميركية في لمنعهم من الوصول إلى المنظومة المالية الدولية عبر فرض حظر على التعامل تجاريًا معهم من قبل الأميركيين والشركات التي لديها فروع في الولايات المتحدة، وتحديداً المصارف.

وعرّفت السلطات الأميركية عن العراقيين أنهما مكي كاظم عبدالحميد الأسدي ومحمد حسين صالح الحسني. وتم وضعهما مع الشركة على قائمة وزارة الخارجية الأميركية «للإرهابيين العالميين المحددين بصفة خاصة».

وقال وزير الخزانة الأميركية، ستيفن منوشن إن “وزارة الخزانة تتخذ إجراءات لإغلاق شبكات تهريب الأسلحة الإيرانية التي استخدمت لتسليح الوكلاء الإقليميين لقوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني في العراق، بينما تقوم بإثراء المطلعين على النظام شخصيا”.

وأضاف أن «على القطاع المالي العراقي والمنظومة المالية الدولية الأوسع تعزيز دفاعاتهما تجاه أساليب الخداع الصادرة عن إيران لتجنب ضلوعهما في مخططات الحرس الثوري

الإيراني القائمة للالتفاف على العقوبات وغيرها من  الأنشطة الخبيثة». يأتي الإعلان عن العقوبات الجديدة بعد يوم واحد من صدور إعلان مشابه عن فرض الخزانة الأميركية لعقوبات على 16 فردا وكيانا على علاقة بسوريا. وشملت العقوبات التي تم الإعلان عنها، الثلاثاء، 3 أشخاص و13 كيانا مسجلا في اللاذقية ودمشق ودبي وبيروت وحمص، تعتقد واشنطن أنها على علاقة بالسلطات السورية.

تستهدف هذه العقوبات، وفق وزارة الخزانة الأميركية، شبكة دولية يستفيد منها نظام الأسد، وتهدف إلى قطع الإمدادات والتمويل عن النظام، كما تهدف إلى قطع الطريق أمام أي ثغرة يمكن أن تستفيد منها إيران للقفز على العقوبات أو الاستفادة منها بأي شكل من الأشكال لدعم مخططاتها وتمويل أذرعها المسلحة في المنطقة.

ويتوقع المتابعون قرارات جديدة وعقوبات أخرى قريبا، خاصة بعد الهجوم الصاروخي الذي نفذه الحوثيون، الذين تدعمهم إيران، على مطار مدني بجنوب السعودية وأسفر عن إصابة 26 شخصا. وذكر التحالف العربي في اليمن أن هناك أدلة على أن الحرس الثوري الإيراني أمد الحوثيين بالسلاح الذي استهدف المطار. وسبق أن كشفت تقارير أممية وأميركية عديدة أن السلاح الذي يستعمله الحوثيون لاستهداف السعودية أو في الحرب الدائرة في اليمن هو إيراني الصنع.

وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية إن الهجمات الإيرانية بما فيها الهجوم الصاروخي على مطار أبها يمثل تطورا جديدا على مستوى التهديد الذي تشكله إيران بالمنطقة. ويشير خبراء إلى أن هذا الهجوم سيكون محور جولة ھيلغا شميد، الأمين العام لخدمة العمل الخارجي التابعة للاتحاد الأوروبي، في الإمارات وعمان وقطر وإيران.

ويقلّص هذا الهجوم من نقاط قوة الأوروبيين في دفاعهم عن الاتفاق النووي مع إيران وتمسكهم به. ففي كل مرة يسعى الأوروبيون إلى التقليل من أهمية التحذيرات بشأن حقيقة إيران وأدوارها التخريبية، تفاجئهم طهران بما يؤكد ذلك.

وتأتي الزيارة الأوروبية بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى طهران. وهي مهمة دبلوماسية حساسة يأمل خلالها العمل على خفض التوتر بين إيران والولايات المتحدة لكن، التطورات الأخيرة تقلل من فرص نجاحها، كما ترفع من الضغوط على الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي يتصدّر واجهة الغضب مع كل تطور جديد يزيد الضغط على إيران.

ولم يجد روحاني في مواجهة العقوبات الجديدة من حل سواء تكرار سياسة الهروب إلى الأمام واستحضار خطاب مكرر عن أن “التأثير الفعلي للعقوبات الأميركية على إيران انتهى” وأن “الوضع في إيران جيد رغم العقوبات الأميركية”، وهو خطاب بدل أن يهدئ صار يزيد من غضب الإيرانيين الذين يرصدون تراجع عملتهم المحلية يوما بعد يوم، ويشعرون بوطأة العقوبات في أدق تفاصيل حياتهم، وبالتالي يزداد غضبهم من النظام ككل ومن مؤسسته العميقة التي بدأت تشعر بدورها بأن الأرض لم تعد مستقرة تحت أقدامها وأن سياسة القمع والتخويف وشعارات “المقاومة” و”الشيطان الأكبر” لم تعد تجد صدى في صفوف الشباب خاصة.

هنا، يجد المراقبون، رابطا خفيا بين التطورات الحاصلة وإعلان مجلس الخبراء الإيراني المفاجئ عن إعداد قائمة بالأسماء التي ستخلف خامنئي. وكشف عضو المجلس آية الله محسن أراكي، لجنة خاصة مشكلة من 3 أشخاص من مجلس الخبراء، جمعوا الأسماء التي تمتلك صلاحية وميزات المرشد خلفا لخامنئي. وأشار، في تصريحات نقلتها وكالة فارس، إلى أن أعضاء مجلس الخبراء يمكن أن يقترحوا أسماء للجنة، مؤكدا أنهم يحتفظون بالأسماء بكل سرية.

وأضاف أراكي “إذا لزم الأمر، سيتم تقييم هذه الأسماء من قبل مجلس الخبراء الذي يتولى مهمة تعيين المرشد”، لافتًا إلى عدم ضرورة كون الأشخاص المختارين من مجلس الخبراء. ويتشكل مجلس الخبراء الإيراني من 88 عضوا، مهمته اختيار مرشد البلاد والإشراف على ذلك.

خليفة المرشد الأعلى

الحديث عن خليفة المرشد الأعلى متداول منذ أن أجرى خامئني عملية لعلاج سرطان البروستات في سنة 2014. لكنه ظل محل توقعات وقراءات عامة ونادرا ما أثير في سياقات رسمية أو مراحل حساسة على غرار ما تمر به إيران اليوم، وعشية لقاء المرشد الأعلى برئيس الوزراء الياباني في زيارة تحمل أهمية كبرى لإيران.

ويقرأ الخبراء بين سطور إعلان مجلس الخبراء الإيراني رسالة إلى الداخل الإيراني كما الخارج، بأن هناك تغييرا في الأفق، في حين أن الغاية الرئيسية هي شراء الوقت. ويشير مهدي خلجي، الخبير في الشؤون الإيرانية، في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إلى أن خامنئي، البالغ من العمر 80 عاما، يريد أن يترك إرثا لضمان بقاء النظام لفترة طويلة بعد رحيله. لكن، ما يقف في طريق هذا الهدف هو اعتقاده الراسخ بأن الولايات المتحدة والعديد من حلفائها يسعون لتغيير النظام نفسه، وليس سلوكه فحسب – وهي قناعة تشكّلت على مدى سنوات عديدة واستمرت على الرغم من التغييرات في القيادة والسياسة الأميركية.

ويلفت الدبلوماسي الأميركي السابق دنيس روس، إلى أن تاريخ الجمهورية الإسلامية يقوم على سياسة الكيل بمكيالين. ففي الماضي، عندما كانت الضغوط الخارجية تتنامى إلى حدّ كبير وتعرّض الاستقرار المحلي للخطر، كانت القيادة الإيرانية تبحث عن وسيلة للتخفيف منها ومن التكاليف المرتبطة بها.

وهذا ما حصل عندما قررت إنهاء الحرب مع العراق عام 1988، ووقف اغتيال المنشقين في أوروبا في تسعينات القرن الماضي عند تهديدها بالعقوبات، وعرضها تسوية نووية في عام 2003 بعد ثلاثة أسابيع من هزيمة الجيش العراقي على يد القوات الأميركية حين خشي الإيرانيون أن يكونوا هم التاليون، وفي عام 2012 عندما وافقت إيران على التواصل مع الولايات المتحدة عبر قنوات خلفية بعد أن عملت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على تشديد العقوبات على المصرف المركزي الإيراني وتوقّف الأوروبيون عن شراء النفط الإيراني.

ويقول روس إن الحكمة السائدة هي أن الإيرانيين يريدون انتظار انتهاء فترة رئاسة ترامب والتعامل مع خلفه. وهذا ما يفضّله خامنئي بشكل شبه مؤكد، لكن الكثير يتوقّف على مقدار الصعوبات الاقتصادية التي يعتقد أنه يمكن للشعب الإيراني تحمّلها.

وإذا شعر خامنئي بأنه يجب عليه أن يخفف الضغط، وأن يختار الدخول في مفاوضات، فمن شبه المؤكد أن تكون المحادثات غير مباشرة، فالمحادثات المباشرة ستكون بمثابة اعتراف بالهزيمة. ومن شأن استخدام وسيط على غرار فلاديمير بوتين أن يلقى قبولا من الزعيم الروسي وترامب على السواء.

ويذهب في ذات السياق، خبراء في مركز ستراتفور للدراسات الأمنية والاستراتيجية، إلى استبعاد أن تتهور طهران إلى درجة بدء صراع مباشر مع واشنطن نظرا إلى تفاوت قوى الجانبين العسكرية والدمار الذي يمكن أن يلحقه مثل هذا الصراع بالشعب الإيراني وحكومته.

لكن ذلك، لا يطفئ شعلة الحرب التي يوقدها من الجانب الأميركي شخصيات مثل مستشار الأمن القومي المتشدد جون بولتون، الذي مازال يميل إلى الصراع المباشر مع إيران، ومن الجانب الإيراني الحرس الثوري الذي يحاول التصعيد لبدء القتال، والذي يدير كواليس خلافة المرشد الأعلى، حتى أن البعض صار يبشر بدولة الحرس الثوري التي ستحل محل دولة المرشد الأعلى.