رئيس الوزراء العراقي تحمس في بداية الأزمة لمقترح أطلقه برهم صالح يدور حول تبني العراق محاولة التقريب بين واشنطن وطهران، لكن حماسته فترت عندما أدرك تعقيدات الأوضاع.
 
كشفت مصادر سياسية رفيعة في بغداد عن تقاطع سياسي في المواقف من الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، وبينما يفضل رئيس الجمهورية برهم صالح أن يلعب العراق دورا في تهدئتها، يريد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي إبعاد حكومته عن تأثيراتها.
 
ولا يبدو أن بغداد منشغلة فعليا، كما يذاع في وسائل الإعلام، بالمساعدة في عملية البحث عن مخرج لهذه الأزمة، وبدا ذلك واضحا خلال استقبال وزير الخارجية محمد الحكيم نظيره العماني يوسف بن علوي في العاصمة العراقية، الأربعاء، إذ خلا حديث المسؤولين الدبلوماسيين من أي إشارة واضحة إلى وجود وساطة حقيقية للعراق بين الولايات المتحدة وإيران.
 
وقالت وزارة الخارجية العراقية إن الحكيم بحث مع بن علوي، “مُستويات التعاون، وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلا عن تبادل الرؤى حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك”.
 
وعبر الوزير العراقي عن تطلع بغداد لتعزيز التعاون في مختلف المجالات، والتنسيق مع عمان لما فيه خير ومصلحة الشعبين الشقيقين.
 
وأضاف بيان الخارجية العراقية “في الشأن العربي والإقليمي بحث الجانبان تطورات الأوضاع بالمنطقة وسبل دعم جهود مواجهة الإرهاب وتعزيز آليات العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات التي تتعرض لها المنطقة”، مشيرا إلى توافق “رؤى الجانبين حول أهمية الاضطلاع بحلول سياسية للأزمات الراهنة لتحقيق السلام، وبسط الأمن”.
 
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع بن علوي، قال الحكيم “ناقشنا مع الوزير العماني الأوضاع في فلسطين والأزمة السورية والمنطقة بشكل عام والقضايا التي تخدم مصلحة البلدين”.
 
وأضاف “نسعى لتوطيد العلاقات مع السلطنة على أعلى مستويات، وسنطرح القضايا التي نالت تفاهمات مشتركة داخل الجامعة العربية لمناقشتها”.
 
وأشار إلى أن “العراق وعمان سيوقعان مذكرات تفاهم مشتركة، تتعلق بالجوانب السياسية، وتنسيق المواقف داخل الجامعة العربية، وخارجها”.
 
بدوره، قال وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، “نسعى سويا في وزارتي الخارجية العراقية والعمانية لتوطيد العلاقة بشكل يجعلهما قوة سلام في المنطقة”.

وأضاف، “نشعر بالارتياح الكبير لعودة العراق إلى دوره الطبيعي ومكانته، فعندما يكون العراق في الإطار العربي يكون قويا”.

وجاءت زيارة الوزير العماني، بعد ساعات قليلة من إقرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي بأن “الأزمة بين واشنطن وطهران ليست بأيدينا كي نحقق شيئا، وما نحققه  جهود تتكاتف لتفكيك الأزمة وإيجاد الحلول”، مشيرا إلى أن “لا أحد من الأطراف يريد الحرب، ولكن لم نصل للسلام بعد”.

وقال عبدالمهدي خلال إيجازه الصحافي الأسبوعي، إن العراق “يلعب دورا كبيرا في الأزمة بين واشنطن وطهران، وما زلنا نمارس دبلوماسية نشطة بهذا المجال لمحاولة تفكيك الأزمة وإيجاد الحلول”.

ولفت إلى أن “كل الأطراف الدولية التي نستقبلها تشجع دور العراق وتتضامن معه في حل الأزمة بين واشنطن وطهران”.

لكن دبلوماسيين عراقيين تحدثوا مع “العرب” عن “وساطة شكلية يقوم بها العراق”.

وقال الدبلوماسيون العراقيون إن بغداد لم تعد ورقة محددة بشأن جهود الوساطة وكل ما حدث هو زيارة وفد عراقي يضم ممثلين عن رئاستي الجمهورية والحكومة إلى طهران نهاية الشهر الماضي، للتعرف على حقيقة الموقف الإيراني”.

وأكد هؤلاء أن “العراق لم يرسل أي وفد آخر إلى طهران ولم يقم أي مسؤول عراقي بزيارة إلى واشنطن للحديث عن الوساطة مطلقا”.

وباستثناء اللقاء الذي حدث في بغداد بين رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض والقائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد جوي هود، لم يتواصل أي مسؤول حكومي عراقي مع الهيئات الدبلوماسية التابعة للولايات المتحدة في العراق أو خارجه.

وتقول المصادر إن “عادل عبدالمهدي يفضل الاكتفاء بالحديث عن الوساطة، من دون إطلاق مبادرة حقيقية، بالنظر لمعرفته بصعوبة الأوضاع وانعدام فرص العراق في التأثير على موقفي طرفي الأزمة”.

وتؤكد المصادر أن رئيس الوزراء العراقي تحمس في بداية الأزمة لمقترح أطلقه برهم صالح يدور حول تبني العراق محاولة لتقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران، لكن حماسته فترت في الأيام التالية، عندما أدرك تعقيدات الأوضاع.

مع ذلك، وفقا للمصادر، سيرحب العراق باحتضان أي لقاء بين ممثلين عن الولايات المتحدة وإيران، للحوار بشأن احتواء الأزمة، وأن “هذا أفضل ما يمكن أن يحققه العراق في هذا المجال”.

وقال مراقب سياسي عراقي إن بعض السياسيين العراقيين يشبهون مَن يطلقون كذبة ويصدقونها ثم يسعون إلى إقناع الآخرين بها، مشددا على أن العراق ليس مؤهلا للعب دور الوسيط في صراع أكبر منه. كما أنه جزء من المشكلة التي أدت إلى نشوب ذلك الصراع.

وأكد المراقب في تصريح لـ”العرب” أن طهران وواشنطن سبق أن أبدتا تحفظهما على بالونات الاختبار التي أطلقها السياسيون العراقيون الذين لا يزال البعض منهم يصر على أن يزج كل شيء في مسألة الوساطة تلك. وهو ما جعل التكهنات أكبر من الواقع.

وأشار إلى أن زيارة بن علوي قد لا تخرج على نوع من الاستفهام عن موقف العراق في ما إذا نشبت حرب أو جرى تصعيد عسكري. لكن من المستبعد أن يكون الوزير العماني حاملا لرسائل من أي طرف إلى العراق، فالرجل الذي عرضت بلاده الوساطة بين إيران والولايات المتحدة لا يقوم بمهمات من ذلك النوع.