للتوسع بمقدور القارئ العودة إلى كتاب : دراسات في فلسفة أصول الفقه للمؤلف الشيخ علي حب الله، طباعة دار الهادي.
 

مما لا شك فيه أن الفقهاء أوجبوا على المسلم المُكلَّف أن يعلم دليل الفتوى قبل العمل بفتوى الفقيه، لماذا، لأن المسلم مُكلَّف بالأصل باتباع العلم لا باتباع العالم أي باتباع دليل الفتوى لا المفتي، أو باتباع أدلة الفقهاء لا الفقهاء، وإذا اتَّبع المُكلَّف فتوى الفقيه من دون علم بأدلته بِحُجة أن المُكلَّف لا يملك وقتاً ولا علماً لمعرفة دليل الفتوى فإن هذا الإتباع أو التقليد لرجل ليس معصوماً ولا متصلاً مباشرة برب الشريعة والذي يُحتمل في حقه الصواب والخطأ في قراءة نصوص الشريعة فإن هذا الإتباع أو هذا التقليد يقيناً ليس خالياً من المخاطر والإشكاليات حيث أنه قد يوصل المكلف للعمل بأحكام وفتاوى ليست من أحكام الشريعة، فلم يَذُقْ طعم الفقه والعلم من لا يتوجس خِيفَةً من هذه المخاطر والإشكاليات المحفوفة بمسألة التقليد السائدة في المجتمع الشيعي وبخاصة لَمَّا جعل الفقهاء للإجتهاد تَقَنِيَة مُعَقَّدة وشاقة يصعب الإحاطة بها على المكلف فَصَعُب عليه بالتالي فَهْمُ الدليل، بينما لو رجعنا إلى سيرة الأئمة (ع) وسيرة الفقهاء الأوائل أي ما قبل ظهور بُدعة التقليد وكذبة التقليد في القرن الرابع الهجري لرأينا الأمر أيسر مما يتصورون، أو إذا رجعنا إلى طريقة فقهاء الإخبارية من إيراد الفتوى والحكم بلسان الرواية كما كان سائداً في عصر الأئمة (ع) لكان أفضل من الوضع الحالي حيث فَوَّضَ الشيعة المقلدون أصحاب العقول الخاملة أَمْرَ معرفة دينهم إلى مجموعة محدودة من الفقهاء، مع أن الأئمة أنفسهم قد نهوا عن التقليد وطعنوا به وهاجموه؛ كيف لا والقرآن قد أُنزله الله للمسلمين كافة ليعملوا به، ولم يُنْزِلُه سبحانه للفقهاء المجتهدين حصرياً !!! 
ولأن الأوامر والنواهي وسائر الأحكام إنما خوطب بها كافة المكلفين وإذا صودف أن واحداً منهم لم يعرف المراد منها ، ولن يكون إلا أبلهاً، فواجبه أن يرجع في معرفة ذلك إلى أهل العلم ليدلوه على دليله الذي هو أوضح من تعقيدات المجتهدين أنفسهم، وتفصيل ذلك ضمن النقاط التالية :
١- إن فهم كلام القرآن والسنة أهون على العامة من فهم كلام الفقهاء فلماذا التقليد، وقد أفضى إلى ضد غايته ؟
٢- لو عجز الناس عن فهم الدين من مصادره الأصلية لَمَا كلَّفهم الله تعالى به.
٣- إن فهم فروع الدين أسهل على الناس من فهم أصول الدين فكيف جاز التقليد في الأول مع أن العلة فيه أظهر، ومنعوه في الثاني ومن المعلوم أن الفروع أدلتها أخبار الثقات بينما الأصول أدلتها البراهين المنطقية .
٤- العامة من الناحية التطبيقية يجهلون كلام الفقهاء ، فكيف يقلدون .
فهذه مسوغات أخرى لعدم شرعية التقليد ولوجوب الأخذ بالدليل لا بالتقليد، ولأنه إذا ارتفع التقليد لم يبق إلا المجتهد والمُتِّبع، ولذلك ندعو إلى نبذ التقليد والأخذ بالإتباع دليلاً، وهو أخذ الدليل من المجتهد للأخذ من الدليل لا من المجتهد، ومرادنا بالدليل هنا هو جعل المكلف في تماس مباشر مع النصوص الأولية كما هو المعتمد في طريقة فقهاء الإخبارية والظاهرية من ذكر الآية أو الرواية وطرح تُرَّهات الفقهاء الأصوليين وهو أمر يجعل الدليل في متناول جميع المكلفين لئلا تكون الأمة مصداقاً لقوله تعالى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }.
وقد كان للتقليد تلك العقلية السكونية آثار مدمرة في كيان الأمة الفكري والثقافي، وقد جرى في سبيل نشر هذه العقلية الإستعانة بجملة من الآيات منها أيه أهل الذكر : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون }
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.
التي يمكن الإستدلال بها على وجوب الإتباع اتباع الدليل ( لا التقليد )، أو الإجتهاد الذي أجمعت الأمة على لزومه في كل العصور ويكفي دلالة العقل عليه لكننا نقصد بالاجتهاد غير الاجتهاد الذي يغرق في طلب التفصيل فيوقع المسلم في العَنَت والمشقة، كما هو الحال في الفقه الإفتراضي والاجتهاد المتداول في هذه العصور والذي ربما كان منهياً عنه بقصة البقرة الواردة في القرآن حيث طلب بنو اسرائيل تفصيل وصف البقرة التي أُمِرُوا بذبحها، لقد ضَيَّقُوا على أنفسهم فَضَيَّق الله عليهم ؟! 
لقد رُوي عن الإمام علي (ع) أنه قال : 
"إن الله تعالى افترض عليكم فرائض فلا تُضيِّعوها وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلَّفوها"

الشيخ علي حب الله