إن التسوية الرئاسية (اذا صحت التسمية) قد أثبتت أنها تسوية بتراء، لأنها تفتقد في طياتها لمكون أساسي (المكون السني) يعمل على تغييبه يوميًا وعن سابق تصور وتصميم.
 

وكأن الرئيس الحريري لا يتعلم حتى من كيسه، فالتسوية الرئاسية التي أبرمها مع التيار العوني ومن خلفه مع حزب الله، دفع ويدفع أثمانها كل يوم، من رصيده النيابي ومن حصة وزرائه، والأهم من حضوره السياسي الذي لا يزال يعتمد فيه على تكرم الآخرين به عليه، ولم يتعلم بعد أن الحضور والفاعلية لا تعطى بالتمني وإنما تفرض على الآخرين.

بالأمس وبعد غياب، أطل رئيس الحكومة محاولا لعب دور "الغاضب" و "القرفان" مما آلت إليه أمور البلد وأمور الطائفة وأمور قواعد تياره "المحبطة" باعترافه للمرة الأولى بعد طول نكران.

فوجه رسائل متعدد كان "لصديقة" جبران باسيل حصة الأسد منها، كما لم ينس طبعًا المزايدين من داخل البيت وهنا تحديدًا ارتفعت النبرة وكادت الأوداج أن تظهر فقد عودنا الشيخ سعد كيف يضرب على الطاولة ويخبط بقدمه على الأرض بدون تحفظ فقط وفقط أمام حلفائه والمقربين منه وحتى أصدقائه وبيئته الغاضبين عليه لا منه.

إقرأ أيضًا: أسباب تعقّد المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية، وانعكاساتها

وكما جرت العادة، فتحت يافطة "أم الصبي" وراية "مصلحة البلد" و "الاعتدال" وكل هذه السمفونية المملة، عاد الشيخ سعد ليخبرنا عن أهمية التسوية الرئاسية، وضرورة المحافظة عليها وعلى علاقته السوية مع رئيس الجمهورية مبررًا كل هذا بالحفاظ على البلد!!! 

وهنا تحديدًا، يكمن الخلل في الرؤية السياسية عند الشيخ سعد، فالبلد الذي يدعي الحفاظ عليه، ينهار ويذهب إلى الهاوية بسرعة فائقة بسبب هذه التسوية وليس العكس.

كان يمكن ان يكون الكلام عن "التسوية الرئاسية" سليمًا وايجابيًا قبيل بداية العهد وقبيل "ابداعات" الصهر المددل وزلاته التي لم تجر علينا الّا المزيد من الويلات (باعتراف الحريري نفسه)، أما وقد ظهرت الامور على حقيقتها، وبأن المستور، وظهرت النوايا إن عند فخامته أو عند صهره، وقبل ذلك وبعده عند الراعي الرسمي للسلوك العوني المتمادي في الاخفاقات والمواقف البهورية، في هذه اللحظة، يكون الحديث عن الحفاظ على التسوية هو المصيبة بعينها، وهو ما يشبه المساهمة والشراكة الفعلية في هدم البلد وضياعه وليس المحافظة عليه اللهم الّا اذا كان "البلد" عند الشيخ سعد يعني بقائه في السراي الكبير فقط لا غير.

إقرأ أيضًا: إيران تغرق، ولبنان مجددًا بدون وصاية

أن التسوية الرئاسية (اذا صحت التسمية) قد أثبتت أنها تسوية بتراء، لانها تفتقد في طياتها لمكون أساسي (المكون السني) يعمل على تغييبه يوميًا وعن سابق تصور وتصميم، وبالتالي فإن ما يحرص على تسميته الرئيس الحريري بالتسوية، لا يفهمه الآخرون الّا نوعًا من أنواع التسليم والرضوخ ليس الّا، وهو انما يتصرف على هذا الأساس، فبنظره أن محور الحريري مهزوم، ومحوره منتصر، وما "التسوية" عنده الّا تعبير لموازين القوى المفروضة فرضًا على سعد الحريري وليست خيارًا.

وبهذا المعنى، فان كل المواقف الناتجة عن تسليم البلد للمحور المنتصر، لا يجب أن يكون محل نقاش او اعتراض عند من يعتبر ضعيفًا ومهزومًا، والأخطر من هذا هو ان يتصرف الشيخ سعد من هذا المنطلق، لأن الغضب الحقيقي، ورفض الواقع وتغيير موازين القوى لا يكون بالنواح والشكوى وانما من خلال الأفعال وفرض أمر واقع جديد من خلال خطوات وقرارات حاسمة، والّا فإن التمسك بما هو موجود لا ينم الّا عن ضعف وخنوع سيدفع تيار المستقبل أثمانه الباهظة ومعه كل الطائفة السنية.