موفد أميركي يضغط لاستئناف الحوار بين المجلس العسكري وقوى الثورة.
 
دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة السودانية بالضغط على فرقاء الأزمة للجلوس إلى طاولة التفاوض، وذلك من خلال زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أفريقيا، تيبور ناجي إلى الخرطوم ثم إلى أديس أبابا في خطوة تعكس إسنادا أميركيا للوساطة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
 
وأعلنت الخارجية الأميركية في بيان لها، الثلاثاء، أنّ ناجي، سيزور الخرطوم قريبا للدعوة إلى استئناف الحوار السياسي بين فرقاء الأزمة، وحضت الخرطوم على “وقف الهجمات على المدنيين”.
 
وأدانت واشنطن عملية فض الاعتصام أمام مقر وزارة الدفاع بالخرطوم التي قامت بها قوات الدعم السريع وعناصر من الأمن في 3 يونيو الحالي، وأوقع العشرات من الضحايا من المحتجين الذين يطالبون المجلس العسكري بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية.
 
وتميل الإدارة الأميركية حتى الآن إلى عدم الانحياز لطرف على حساب آخر، لكن تصريحات مسؤولين فيها تدعم فكرة الإسراع بتسليم السلطة لحكومة مدنية، وهو ما جعلها أقرب إلى موقف المعارضة من المجلس العسكري.

لكن متابعين للملف السوداني قللوا من أهمية انحياز واشنطن ضد المجلس العسكري، معتبرين أن الولايات المتحدة تعول على وجود مؤسسة عسكرية قوية ومتماسكة في السودان للتعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة، لذلك تريد الحفاظ على الدور الأمني للمجلس العسكري دون واجهة سياسية مباشرة.

وأشار هؤلاء إلى أن واشنطن تضغط على الجهة التي تمتلك القرار الفعلي على الأرض من أجل تقديم تنازلات تسهل إنجاح المفاوضات، لكنها، وإن كانت تدعم حكومة مدنية في السودان، فإن انحيازها لطرف سيعيق التوصل إلى توافق بين طرفين كل واحد منهما يسعى لإظهار أنه صاحب التأثير على الأرض.

ومن المرجح أن تواصل الولايات المتحدة دورها في التلويح بالعصا والجزرة للطرفين المتخاصمين في السودان، كي يتحقق لها أمر تسليم السلطة لحكومة مدنية، وفتح الطريق لتعاون أكبر مع الجيش السوداني لمكافحة الإرهاب والمتشددين.

واعتبر الباحث السوداني حيدر إبراهيم علي، أن واشنطن حريصة على الأمن والاستقرار في السودان، لأنه يقع في منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، وبلد يعد “المفتاح في منطقة القرن الأفريقي.. وفي النهاية أميركا مع من يراعون مصالحها، بصرف النظر عن هوية نظام الحكم”.

وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية في بيانها أن زيارة السودان تأتي ضمن جولة أفريقية لتيبور ناجي تستمر من 12 إلى 23 يونيو الجاري، وتضم جنوب أفريقيا وموزمبيق، فضلا عن إثيوبيا باعتبارها المقر الدائم للاتحاد الأفريقي.

وسيجري المبعوث الأميركي مباحثات مع المسؤولين في الاتحاد وأديس أبابا حول الجهود المبذولة لدعم حل سياسي في السودان.

وتضع واشنطن أهمية كبيرة على مبادرة آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا لوقف التصعيد في السودان وحض الطرفين على العودة إلى مائدة التفاوض وإنهاء الاحتقان والتوصل إلى صيغة توافقية لحل الأزمة.

وثمن حيدر إبراهيم في تصريحاته لـ”العرب” الوساطة الإثيوبية، قائلا “إنها تمضي بصورة إيجابية، ومن الممكن أن تصل إلى نتائج جيدة في المدى المنظور، بعد أن لقيت تجاوبا من قبل الأطراف المعنية”.

وقدمت جولة المبعوث الأميركي دفعة إيجابية للوساطة الإقليمية، تمنح زخما لزيارة آبي أحمد المنتظرة للخرطوم، ووقف التصعيد على الأرض، ومواصلة جهود تقريب المسافات بين المجلس العسكري وتحالف الحرية والتغيير التي تقوم بها أديس أبابا.

وقال عطية عيسوي الخبير في الشؤون الأفريقية إن زيارة تيبور للخرطوم ترمي إلى عدم فرض إجراءات عسكرية جديدة من قبل المجلس العسكري والالتزام بضبط النفس، خوفا من تحول الأزمة إلى مواجهات دموية بين المحتجين وقوات الدعم السريع.

وأشار عيسوي في تصريحات لـ”العرب، إلى أن هناك بوادر تهدئة بين الطرفين تمهّد إلى استئناف التفاوض بينهما، مستشهدا بإفراج المجلس العسكري عن المعتقلين الثلاثة من الجبهة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال (ياسر عرمان وخميس جلال ومبارك أدول)، خاصة أن المجلس اعترف ضمنيا بمسؤوليته عن فض الاعتصام وإجراء تحقيق، وهذه من ضمن شروط تحالف الحرية والتغيير للعودة إلى طاولة الحوار.

ولم ينكر المجلس تورط أفراد من القوات النظامية تم التحفظ عليهم في فض الاعتصام، وأنه لم يكن يرغب في عملية الفضّ، وقال إنه سيتم الإعلان عن نتائج التحقيق للرأي العام خلال ثلاثة أيام (تنتهي اليوم الأربعاء).

وقال المجلس العسكري، الثلاثاء، إن جماهير الشعب رفضت دعوات العصيان المدني. وأعلن المجلس في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية، أنه “يتوجه بالشكر والتقدير لجماهير الشعب السوداني بفئاته المختلفة والعاملين بالشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة والقطاعات الأخرى”.

وأكد أنهم “رفضوا الدعوات الرامية إلى تعكير صفو الحياة العامة وتعطيل مصالح الناس والتعدي على حقوقهم الأساسية وحرمانهم من الخدمات”، في إشارة إلى العصيان المدني الشامل.

ورفض تجمع المهنيين، وهو أحد أهم أجنحة الحرية والتغيير، الثلاثاء، ما طرحه المجلس العسكري بشأن لجنة التحقيق في فض اعتصام الخرطوم، قائلا “الترويج لأكذوبة لجنة التحقيق محاولة للتملص من الجريمة وكسب الوقت وامتصاص الغضب”.

وذكر التجمع أن مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير وصلت إلى توافق كبير حول مرشحيها لمجلس السيادة ورئاسة مجلس الوزراء، والإعلان عنها سيكون في “الزمان المناسب ووفق تطورات الأحداث”.