الهيمنة السياسية على العراق هي أولوية إيرانية، تتقدم على وجودها في سوريا واليمن ولبنان، ولهذا فليس غريبا أن يتغنى المسؤولون الإيرانيون بهذه المكانة رغم أنها بمثابة احتلال ليس عن طريق الجيوش النظامية، وإنما عن طريق الوكلاء من الميليشيات الطائفية.
 

يحاول البعض من الكتاب العرب وبعض السياسيين العراقيين ممن لديهم مصلحة في الود مع النظام الإيراني الحالي التخفيف من لهجة التصعيد في الخلافات بين طهران وبلدان العرب بدعوى أن “العداء والخصومة مع إيران فيهما مصلحة لإسرائيل”، وكأن هذا البلد الإسلامي هو جار ودود ويريد الخير لشعب العراق وشعوب المنطقة مثلما الخير لشعوب إيران.

وقبل التسليم بفرضية هذه الدعوى الأيديولوجية، تبدو التساؤلات مشروعة: هل أن العرب، حكومات وسياسيين ونخبا ثقافية، هم الذين صنعوا هذه العداوة وسوّقوها وأقنعوا الولايات المتحدة بها؟ وهل أن شعب العراق وحكومات الدول العربية، والخليجية منها بصورة خاصة، هي التي لديها أطماع في الأراضي الإيرانية وتمتلك أذرعا تخريبية مسلحة داخل المدن الإيرانية؟ أم إن حكام طهران منذ مجيئهم للسلطة عام 1979 هم البادئون بتلك السياسات، ثم وضعوا العراق على رأس قائمة الاستهداف والضم الأيديولوجي القومي المذهبي، وحين لم يتحقق ذلك الهدف عن طريق الحرب التي كلفت شعوب إيران وشعب العراق مليون قتيل ومئات المليارات من الدولارات، انتظروا 15 عاما ليحققوا ذلك الحلم الكبير في الانتقام من بلد القادسية التي هزمت جبروت “كسرى”؟

كما أنهم وكتعبير عن استحضارهم لتاريخ احتلالهم الأول للعراق طلبوا قبل فترة من منظمة اليونسكو تسجيل “إيوان كسرى” جنوبي بغداد المعروف بـ”طاق كسرى”في لائحة التراث العالمي، ما أثار حفيظة العديد من العراقيين الذين عدوه بمثابة “استفزاز سافر” لتاريخ العراق العربي وبمداهنة واضحة من قبل الحكومة العراقية.

إن العرب جميعهم هم المتضررون من سياسات حكام طهران، وليست لديهم كراهية عنصرية أو مذهبية ضد إيران وشعوبها الخيرة التي يستثمر حكامها الجانب المذهبي في خلق الاضطراب وزعزعة الأمن في المنطقة. لدى حكام طهران وهم بأنهم باقون في العراق وأن طريقهم إلى الكعبة والإمارات والبحرين أصبح ممهّدا عن طريق أذرعهم التخريبية.

وخلال الأزمة الأخيرة بينهم وبين واشنطن وبعد التضييق على نظامهم بالعقوبات تقاسموا فيما بينهم الأدوار: تصريحات نارية بالقوة التي ستدمر أميركا وأهل المنطقة من جهة، ولغة مغطاة بدبلوماسية الكذب والدجل والدعوة إلى معاهدة تعاون “عدم اعتداء” مع حكومات المنطقة في ديماغوجية مغلفة بالخبث والاستعلاء والاعتقاد أن العرب هم أدنى منهم مرتبة في الوعي والرقي السياسي، مع أنها لعبة سياسية متخلفة ذلك أن مثل هذه الصفقات تتم بين دول بينها مشكلات عسكرية وأمنية متداخلة لكلا الجانبين مما يتطلب في علم السياسة الدولية عقد مثل تلك المعاهدات، وليس مثلما يحصل بين إيران وجيرانها العرب.

الهيمنة السياسية على العراق هي أولوية إيرانية، تتقدم على وجودها في سوريا واليمن ولبنان، ولهذا فليس غريبا أن يتغنى المسؤولون الإيرانيون بهذه المكانة رغم أنها بمثابة احتلال ليس عن طريق الجيوش النظامية، وإنما عن طريق الوكلاء من الميليشيات الطائفية، وأن يعتبروا أن “صمودهم الحالي بوجه الهجمة الأميركية يعود إلى ما يمتلكونه من أعوان في العراق خاصة، وفي كل من سوريا وقسم من لبنان وفلسطين”.

هكذا كان تصريح اللواء يحيى رحيم صفوي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، السبت الماضي، واضعا الحكومة العراقية ضمن أطراف جبهة “المقاومة الإسلامية” ضد الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، حيث قال صفوي في حوار خاص مع وكالة أنباء “فارس” إن “الحرب في دول العراق وسوريا واليمن جاءت معها بالكثير من الدمار والخراب، إلا أنها أدت أيضا إلى انتشار مدرسة ونهج المقاومة في الدول الإسلامية وإيجاد جبهة مقاومة أطرافها تتمثل في فلسطين وحزب الله لبنان وحكومتي سوريا والعراق وأنصار الله في اليمن، أمام أميركا وبعض الدول العربية التي وضعت يدها بيد الأميركيين”. هذا التصريح الصادر من أعلى جهة في القيادة السياسية الإيرانية لا يحتاج إلى جهد في التفسير، فهم يعتبرون العراق في جبهة “المقاومة الإسلامية” وليست دولة محايدة في الصراع الحالي. وحسب بعض التفسيرات فإن هذا ما دفع بحكومة بغداد إلى التحفظ على قرارات القمم العربية في مكة المكرمة.

ولا شك أن الجواب على هذا التصريح في عهدة رئيس الحكومة العراقية لكي يفسر أين يتموقع العراق سياسيا؛ هل هو فعلا مثلما يصرحون بأنهم مكان للصلح والسلم والحوار بين المتخاصمين (واشنطن – طهران)، أم إنهم فعلا في معسكر المقاومة الإسلامية ضد أميركا والدول العربية؟ وهذا مما سيدفع واشنطن إلى إعادة النظر في علاقتها ببغداد إن لم تقدم حكومتها بيانات دبلوماسية معترضة على هذا التوصيف السياسي المضر بالعراق الآن ومستقبلا، ويسقط كل البيانات السياسية التي تقدمها الحكومة العراقية للرأي العام. هذه التصريحات الإيرانية ليست غريبة على مسؤوليهم في الحلقات العليا، ويتذكر العراقيون ما أثارته تصريحات علي يونس نائب الرئيس الإيراني حسن روحاني ومستشاره للشؤون الدينية إن “إيران أصبحت الآن إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا كما كانت في الماضي”.