تناقلت مواقع إخبارية وثقافية عراقية وعربية خبرًا عن تسجيل رقم قياسي على مستوى مهور الزواج، وجاء في موقع ناس التالي:
 
بغداد – ناس
سجلت محكمة الأحوال الشخصية في الكرخ, الاثنين, أغلى عقد زواج بمقدم 3 مليار ومؤخر 5 مليار دينار عراقي.
واظهرت وثيقة اطلع عليها “ناس” اليوم (10 حزيران 2019), محكمة الاحوال الشخصية في الكرخ اغلى عقد زواج بتكاليف تصل الى 8 مليار دينار مجموع المقدم والمؤخر.
 
واظهر العقد ان الزوج من تولد 1984 وحالته الاجتماعية اعزب, اما الزوجة فحالتها الاجتماعية مطلقة ومن تولد 1986 ولديها طفلين, وكتب الزوج على نفسه تعهدا بتربية ورعاية اطفالها الاثنين.
 
(انتهى)
 
قد يتسائل البعض: أليس هذا من حقها!؟ وما الضير في إعطاءها مهرًا بهذا الحجم طالما هو راضٍ وقابل ويريد أن يبدي لها مدى سعادته وحبّه لها!؟
 
إننا هنا إمام أكثر من عنوان، فعلينا إن ندرس هذه الظاهرة على أكثر من بُعد، ومن أهم هذه الأبعاد هو البعد الإجتماعي، ونظرة الشريعة لذلك، والدوافع التي جعلت من هذه الظاهرة منتشرة في بلداننا العربية على وجه الخصوص.
 
المهر
يعتبر الشرع أن المهر من حق المرأة، فهو ضمن حقوقها الطبيعية، فلا يجوّز الشارع المقدس إلغاء المهر بأي شكل من الأشكال، كون المهر يعتبر نحلة في الإسلام: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء:٤].
 
ويذهب الفقهاء إلى أن للزوجين أن يتفقا على أي مقدار من المهر، فلم يحددوا أي سقط له وكذلك ماهو أدناه، نعم دار الحديث حول المالية في المهر، فهم يَرَوْن عدم خروجه عن المالية.
 
ونحن أما أمرين:
 
الأول: مرجوحية المغالاة في المهور.
الثاني: ما يعرف بمهر السُّنة، وهو الذي قدّمه عليًّا للزهراء.
 
ما يهمنا في حديثنا هنا هو الأمر الأول، كونه مرتبطًا بظهارة غلاء المهور، ووصولها إلى أرقام مالية فاحشة، فنظرة الدين الإسلامي لهذا الأمر ليس الحرمة الفقهية، فالإسلام لم يضع حدًّا للمهر، ولكن المستفاد من الروايات كراهة ارتفاع المهور كراهة شديدة، وعندما تكون الكراهة شديدة فهذا يعني المبغوضية من الله عزوجل، ولكن مع عدم الإلزام بالترك.
 
ورد عن أبي عبدالله (ع) قال: قال رسول الله (ص): "أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهًا، وأقلهن مهرًا".
 
وورد عن أبي عبدالله (ع) في حديث يقول فيه: ".. فأما شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقم رحمها".
 
وورد عن أبي جعفر (ع) قال: "روي أن من بركة المرأة قلّة مهرها، ومن شؤمها كثرة مهرها".
 
وينقل هشام ابن الحكم أنه سمع جعفر ابن محمد (ع) يقول: "أتتكافىء دماؤكم ولا تتكافىء فروجكم!؟".
 
فهنا الأفضلية بإمكاننا أخذها على نحو الاستحباب، فأفضل نساء أمة رسول الله (ص) هن أقلهن مهرًا، فالمهر المتزايد من الناحية الفقهية جائز إلا أنه شديد الكراهة، لأن المهر كما عن أبي عبدالله (ع): سأل عن المهر فقال: "ما يتراضى عليه الناس". وهي واضحة الإطلاق.
 
إجتماعيًا
 
علينا أن لا نأخذ هذه الظاهرة فقط على المقياس الفقهي، بل لابد من نظرة اجتماعية واعية لهذه الظاهرة، فارتفاع المهور ليس أمرًا إيجابيًّا بل هو أمرٌ سلبيٌّ بامتياز، ففي الوقت الذي نرى فيه عجز الشباب من الناحية المادية لتغطية تكاليف زواجهم، نجد أن هناك من يتباهى بدفع المهور المرتفعة، والبذخ في صرفه للزواج لحد التبذير والإسراف.
 
وهذا النوع من الظاهرة جعل بعض البيوت ينظر للزواج محالة تجارية، اتذكر أنني ذهبت مع أحد المؤمنين ليخطب فتاة، فصدمنا من قيمة المهر الذي طلبه أهلها، فعندنا وجهّت لأحدهم السؤال: لم هذا الرقم الكبير موجودًا في السابق! فأجابني: منذ سنتين ارتفع سعر المهور عندما، بسبب وفود بعض العراقيين للمنطقة ودفعهم مبالغ كبيرة، فصار الجار لا يقبل لأبنته أن تأخذ أقل من ابنته جاره.
 
لا أخفيكم كيف تحوّل طلب يد الفتاة إلى مساومة وكأننا في سوق النخاسين، وخيّل كيف صار قيمة الفتاة بما يدفع لها من مهر، فهذه الظاهرة اللادينية قد ألقت بظلالها على واقع مزرٍ، وعقّدت مصاريف الزواج على غير الميسورين، لذلك فالإسلام عندما نظر لها بكراهة شديدة، لأن مصلحة المجتمع في هذا المقام مهددة.
 
رمزيّة المهر
 
يعتبر المهر ذو رمزية ترفع من شأن المرأة في المجتمع، ولكننا إذا جعلناه هو الذي يحدد قيمة المرأة اجتماعيًا؛ فهذا يعتبر إهانة لها، وفِي هذا الصدد يقول السيد فضل الله: فالمهر [يعتبر] مسألة رمزية، تجعل دخول المرأة إلى الحياة الزوجية مشروعًا بتقديم الرجل شيئًا معيّنًا لها، يعبّر به عن محبته وعن مسؤوليته عنها" [دنيا المرأة: ص١٧٩]
 
غلاء المهر لا يحدد السعادة
 
كم سمعنا من قصص عن أزواج أقاموا حفلاتهم الزوجية في أرقى الأماكن وأكثرها تكلفة، ولكنهم يعيشون الفشل الزوجي، ولا يشعرون بالسعادة والراحة والحب، فغلاء المهر وارتفاع قيمة تكاليف الزواج لا يصنع السعادة بين الزوجين، وإنما ما يصنع السعادة بين الزوجين؛ العيش مع الآخر بقناعة وبرضا وتقبّله كما هو.
 
فحالات الطلاق المتزايدة لو فتّشنا عن أسبابها، وعن حالات الإحباط الزوجي والفشل الأُسَري كذلك، فسنجد الكثير منها بدأت بإقامة حفلات زواج مرتفعة التكلفة، وبمهور قد تعتبر عالية القيمة، وفِي المقابل كم وجدنا مشاريع زواج بدأت بالبركة والبساطة وانخفاض التكلفة؛ وهم في أعلى درجات السعادة والرضا.
 
الشيخ صلاح مرسول البحراني