في محاولة منها للضحك على المجتمع الدولي عرضت إيران أن يتم عقد معاهدة لعدم الاعتداء بينها وبين دول الخليج. “مَن يعتدي على مَن ترى؟”.

طبعا ليس مطلوبا أن يُؤْخذَ كلام إيران على محمل الجد. فهي دولة تكذب. كانت دائما تكذب. ما تصرح به هو دائما ليس ما تفكر فيه. يمكنها أن تتفاوض على شيء، فيما إعلامها يعلن عن رفض فكرة التفاوض على ذلك الشيء. لذلك فهي دولة لا يمكن أن تكون موقع ثقة.

لا أحد يثق بإيران سوى أتباعها الذين ليسوا مغفلين كما يتوهم البعض. أولئك الأتباع يفهمون لغة إيران المخاتلة ويدركون حيلها وهي تسعى إلى الالتفاف على الحقيقة. ذلك ما يعجبهم فيها وهو ما يجعلهم مشدودين إلى عصا الساحر المقيم في طهران. هم محتالون صغار يمارسون أدوارهم في سياق عملية تخريب شاملة يرعاها النظام الإيراني من أجل أن تتسع مزرعة الفساد، فلا يبقى هناك مجال للتفكير بوعي وطني أو ضمير نزيه أو عدالة اجتماعية.

عبر أربعين سنة من حكم الملالي في إيران لم تصدر إشارة واحدة تدل على أن ذلك النظام راغب في إقامة علاقات طبيعية مع العرب. إيران لا تنظر إلى العرب باعتبارهم أندادا. وهي لا تعترف بدولهم ولا بحكوماتهم. بل إنها تجد أن من حقها أن تمارس الوصاية على شعوبهم.

حتى في وصايتها فإنها تكذب. ذلك لأن إيران لا ترى في أتباعها العرب إلا خَدَما لمشروعها الاستعماري. إنهم مرتزقتها الذين يضعون أنفسهم في خدمة حرسها الثوري الذي يضعهم في سجل الخدم المأجورين.

إيران التي لم تتعامل مع العرب، باعتبارها دولة بل كانت تصر على أنها الظاهرة العقائدية التي ستغزوهم من الداخل، هي ليست صادقة في ما تتقدم به من عروض سلام.

عمليا فإن إيران ليست وحدها مَن يهدد العالم العربي بصواريخه، بل صار في إمكان عميلها حسن نصرالله في لبنان أن يفاخر بالصواريخ التي يملكها وهي موجهة، كما قال، إلى أهداف محددة.

ذلك يعني أن إيران التي تتظاهر بأنها ترغب في السلام قد زرعت ألغامها في الأراضي العربية التي تمكنت بسبب الظرف التاريخي الذي مر بالعالم العربي من الهيمنة عليها.

جزء مهم من ذلك الظرف كانت الولايات المتحدة مسؤولة عنه وإن كان العرب أنفسهم قد ساهموا في خلقه. فالمشروع التوسعي الإيراني لم يكن يخفى على أحد. بل إن إيران كانت صريحة في الإعلان عنه.

لقد تمكنت إيران من التغلغل في العراق بعد أن تم غزوه من قبل القوات الأميركية، وبعد أن تخلى العرب عن سوريا ففُتحت أبوابها أمام الإيرانيين، وكان واضحا أن العرب حين تأخروا عن معالجة الأزمة اليمنية وجد الإيرانيون لهم مركبا سهلا من خلال الحوثي. أما في لبنان فإن التمويل العربي لحزب الله التابع لإيران كان مصدر قوته.

استفادت إيران من الأخطاء العربية وهي اليوم تسعى إلى تطبيع أوضاعها من خلال معاهدة عدم اعتداء. إنها تتصرف بدهاء مكشوف. ذلك لأنها إن تمكنت من جر العرب إلى حوار في ظل الأوضاع القائمة، فإنها ستحصل منهم على اعتراف باستعمارها لأربع دول عربية.

إذا ما كانت هناك ضرورة للحوار مع إيران فإنه الحوار الذي يتعلق بانسحابها من العالم العربي وعودتها إلى حدودها والتوقف نهائيا عن تمويلها ودعمها للميليشيات المسلحة التابعة لها. من غير ذلك فإنه حوار لا ضرورة له.

ليس العرب مستعدين لسماع المزيد من الهراء الإيراني. إنهم لا يملكون الوقت الذي تراهن عليه إيران وهي التي انقطعت منذ عقود عن متابعة الزمن. إيران التي نشرت عقيدتها الداعية إلى الموت لم يعد الحوار معها نافعا، وبالأخص إذا تعلق الأمر بالحياة.