إن هذا التخبط الداخلي الذي نشاهده هذه الأيام على الساحة اللبنانية، وغياب أي مرجعية تقود البلاد وحلول سياسة الـ النقار والنقير بين معظم المكونات اللبنانية إنما مرده بالدرجة الأولى هو غياب الوصاية الايرانية وفقدان حزب الله للتوازن السياسي.
 

يزداد الوضع الايراني سوءًا مع اشتداد حبل العقوبات الأميركية على عنق إقتصادها، وآخرها بعد تصفير تصدير النفط إعلان وزارة الخزانة الأميركية أمس فرض عقوبات تستهدف أكبر شركة قابضة للبتروكيماويات تابعة لـ «الحرس»، وأكثر من 39 شركة تابعة لها، ووكلاء المبيعات. 

وقالت الوزارة إن مجموعة البتروكيماويات تقدم الدعم المالي لشركة «خاتم الأنبياء»، وهي المجموعة الهندسية التابعة لـ «الحرس»، وشملت العقوبات 39 شركة كيماويات فرعية تنتج 40 في المائة من إجمالي الطاقة الإنتاجية للبتروكيماويات في إيران، ومسؤولة عن 50 في المائة من إجمالي الصادرات البتروكيماوية الإيرانية.

مما يعني بأن الأمور ذاهبة أكثر فأكثر إلى مزيد من التصعيد، وأن الأجواء "الايجابية" التي حاول الإعلام الإيراني ضخها في الأيام القليلة الماضية عبر الحديث عن وساطات يابانية وسويسرية وعراقية وتراجع ادارة ترامب عن المضي في هدفها بتطويع النظام الإيراني، لم تكن أكثر من تحاليل رغبوية لا تمت الى الواقع بصلة.

إقرأ أيضًا: جريمة طرابلس.. تساؤلات لا بد منها

فالنظام الإيراني اليوم، الغارق بأزماته الكبرى والمشغول بنفسه والباحث عن مخارج والمتخبط في بحر من المشاكل الداخلية التي ينقلها صديقي العائد من إيران منذ أيام، حيث ينقل صورة مأساوية عن الأوضاع الداخلية من غلاء فاحش وفقر وبطالة وفوضى لم تشهدها البلاد منذ قيام الثورة الإسلامية.

وبطبيعة الحال فإن الحالة المزرية التي تمر بها ايران، تنعكس تلقائًا على أذرعها في المنطقة، ليس فقط بسبب الشح المالي وتوقف تدفقه إليهم، بل الأهم هو فقدان الرؤية المستقبلية والخطوات المرتقبة والمطلوبة منهم، فحالة اللا حرب وعدم الرغبة الإيرانية بخوض المواجهة العسكرية ساهمت اكثر في تكبيل أذرعها المنتشرة بالمنطقة والتي لا تجيد الا لعب دور القتال والحروب "الجهاد"، ومع غياب هذا الدور تجدها هي الأخرى في حالة من الضياع والترقب بانتظار الأوامر وما يطلب منها.

لبنان من البلدان التي أصابها بشكل مباشر هذا "اللا موقف"، فمن المعلوم أن حزب الله الذي ورث الوصاية السورية بعد 2005 وانسحاب الجيش السوري من لبنان، شكل طيلة تلك الفترة وصاية بديلة ولعب دور المايسترو للسياسات اللبنانية وتحكم على غرار الوصاية السورية سيئة الذكر بتوزيع الادوار على اللاعبين الصغار داخل الساحة اللبنانية.

إقرأ أيضًا: لماذا نكره جبران باسيل؟

إن هذا التخبط الداخلي الذي نشاهده هذه الأيام على الساحة اللبنانية، وغياب أي مرجعية تقود البلاد وحلول سياسة الـ "النقار والنقير" بين معظم المكونات اللبنانية انما مرده بالدرجة الأولى هو غياب الوصاية الايرانية وفقدان حزب الله للتوازن السياسي، وانشغالة بالاستحقاقات الكبرى المنتظرة (حرب او تسوية) وما سوف تؤل اليه الامور.

هذا الواقع المشابه تمامًا لمرحلة ما بعد الـ 2005 وقبل استباب الأمور لحزب الله.

إن هذه الطبقة السياسية المتعودة دومًا على وجود وصي يدير أمورها، تفتقد مرة جديدة لهذا الراعي فنراها تملأ هذا الفراغ الذي تعيشه بتجاذبات بين بعضها البعض وعلى أمور تافها كتفاهتها بانتظارها هي الأخرى لمن سوف يملأ هذا الفراغ.