هذه الصورة، هي الماثلة في لبنان، جبهات تفرّخ جبهات، بحيث لا تكاد جبهة تنطفئ، او تتراجع حدّتها، حتى تُفتَح جبهة جديدة، أكثر حدّة وسخونة. والسمة العامة لهذا المشهد، هي انّ الاستنفار السياسي على اشدّه، وأصابع الأطراف السياسية جميعها، تبعاً للتصلّب الذي يعتري مقارباتها للاولويات الداخلية، واختلافاتها، تبدو وكأنّها على زناد التوتير الاشتباك، وعلى جهوزية كاملة للعودة الى التراشق السياسي في اي لحظة.

كل ذلك، يصوغ أسئلة تشكيكية باتت تتردّد على كلّ لسان: ما سرّ هذا التوتير؟ هل ثمة إرادة خفيّة لنقل البلد من حالة الاستقرار السياسي الى حال الاستنفار السجالي؟ ومن هو صاحب المصلحة في ذلك؟ واكثر من ذلك، الى اين يقود هذا المنحى، بل وماذا يخفي؟ 

وفي الجانب الآخر لهذه الصورة، الفئات الشعبية على اختلافها عالقة في متاهة اختلافات وتباينات ومزايدات ومكايدات طبقة سياسية او بالأحرى طبقات سياسية متصارعة ومختلفة حتى على ابسط البديهيات، حتى لا نقول على جنس الملائكة.

كأن البلد معلق على سبّحة سجالية، وكرّت:

- نقاش الموازنة في مجلس الوزراء، فتح حلبة عراك سياسي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، شكّل استمراراً لاشتباك مفتوح بينهما اشتعلت شرارته منذ ما قبل سقوط تفاهم معراب بينهما، وما زال مفتوحاً حتى الآن.

- في محاذاة هذه الحلبة، فُتح اشتباك مماثل بين «التيار» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، فاقمته تغريدات رئيس الحزب وليد جنبلاط عن العهد الواعد والشهوات الرئاسية. واشتباك آخر بين «التقدمي» و«حزب الله» على خلفية كسارة عين دارة، لم يُنزع فتيله بعد، وفاقمه كلام جنبلاط عن عدم لبنانية مزارع شبعا.

- وتلى ذلك، سجال عنيف بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، ما زال محتدماً، أشعلته قضية المقدّم في قوى الامن الداخلي سوزان الحاج والمقرصن ايلي غبش، والحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية فيها.

- إشعال رئيس الحكومة سعد الحريري معركة «حماية» صلاحيات الرئاسة الثالثة، مدعوماً من رؤساء الحكومات السابقين، ورداً على ما سمّتها اوساطه محاولات إضعاف رئيس الحكومة، وذلك بعدما جرت محاولة المس بهذه الصلاحيات من قِبل جهات سياسية معينة، وكان خطاب الحريري عنيفاً جداً، ليس في اتجاه هؤلاء فقط، بل في اتجاه من يسيرون في هذا المنحى من بعض من هم من بيئته السياسية ومن سمّاهم «المقيمين» على رصيف «بيت الوسط» والذين لا هدف لهم سوى الاساءة الى الحريري. 

- اخيراً، بالتأكيد ليس آخراً في هذا الجو المفتوح على التوترات، إندلاع الاشتباك وبعنف غير مسبوق وبتغريدات هجومية بين تيار «المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، اشعل شرارته انكسار اتفاق المداورة على رئاسة بلدية شحيم، بينهما، والذي قضى بأن يتولى رئيس البلدية الحالي السفير زيدان الصغير، المحسوب على «المستقبل» لثلاث سنوات، على ان يتولى احمد فواز المحسوب على «التقدمي» رئاسة البلدية في السنوات الثلاث التالية. 

الملاحظ في هذه الصورة المتوترة، انّ كل الاطراف المشتبكين مع بعضهم البعض، متعايشون معاً تحت سقف الحكومة، وعلى رغم التأكيدات التي تصدر عن المصادر الرئاسية او الحكومية او الوزارية بأنّ الحكومة محميّة بالتسوية التي انتهت الى تأليفها، فثمة كلام لافت للانتباه، لمستويات سياسية رفيعة المستوى، يفيد بأنّ «الحكومة التي لم تتجاوز بعد الستة اشهر من عمرها، تمرّ في أسوأ لحظاتها السياسية، والتباينات القائمة في داخلها، والتي تتولّد عنها السجالات بين وقت وآخر، جعلت هذه الحكومة قابلة للاهتزاز، وربما اكثر من اهتزاز، في أي لحظة، وبالتالي فإنّ الاستقرار الحكومي مهدّد بتباينات ومشاحنات مكوناتها، ما يعني انّ كل الاحتمالات السلبية واردة».

لقاءات رئاسية
هذا الكلام عن الاحتمالات السلبية يأتي عشية العودة المفترضة للعجلة الحكومية اعتباراً من مطلع الاسبوع المقبل، وبعدما تكون عطلة عيد الفطر قد انتهت فعلياً وعاد المسافرون من رؤساء ووزراء ونواب من إجازاتهم. ويُنتظر في هذا السياق، كما كشفت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» عقد لقاء بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، الغاية منه رسم خريطة طريق العمل الحكومي في المرحلة المقبلة. مشيرة الى انّ لدى رئيس الحكومة الكثير ليقوله حول بعض العثرات، والمطبات التي يفتعلها البعض في طريق حكومته. والتي ادّى البعض منها الى توتير العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل».

 
 

ولم تستبعد المصادر عينها عقد لقاء مماثل بين الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يُنتظر ان يعود من إجازته الخاصة بداية الاسبوع المقبل.

والذي ما زالت تؤكّد اوساطه انّه على الرغم من التوترات الحاصلة، لا خوف على الحكومة، بل تنتظرها مهام كبرى في المرحلة المقبلة، وخصوصاً لجهة مواكبة المستجدات الحدودية المتصلة بمسألة تثبيت الحدود اللبنانية، ولبنان يترقّب عودة الوسيط الاميركي في هذا الملف دايفيد ساترفيلد من اسرائيل، بعد ايام، والذي يُفترض ان يأتي بالجواب الاسرائيلي حول الشرط اللبناني بالمفاوضات المفتوحة، حتى التوصل الى حل في شأن الترسيم المتوازن بين البر والبحر، والرافض للشرط الاسرائيلي بتحديد سقف زمني لستة اشهر لإتمام هذا الترسيم.

«النأي بالنفس»
وفي جانب آخر، وعلى الرغم من تجنّب الحريري وفريقه من جهة، و«حزب الله» من جهة ثانية، الدخول في سجال علني مباشر حيال بعض الامور الخلافية بينهما، علمت «الجمهورية»، انّ ثمة توجهاً لدى الحزب لإثارة موضوع مشاركة رئيس الحكومة في القمم العربية التي عُقدت في مكة قبل ايام، والموقف الذي صدر عن الحريري خلالها، والذي اعتبره الامين العام للحزب خرقاً لمبدأ النأي بالنفس، ولا يعبّر عن موقف الحكومة اللبنانية بل يعبّر عن موقف الطرف السياسي الذي يمثله الحريري.

وسألت «الجمهورية» مصادر في تيار «المستقبل» حول هذا الموضوع، فأشارت الى انّ الرئيس الحريري عبّر عن لبنان وتحدث باسم لبنان، و«حزب الله» لا يستطيع ان يتحدث ابداً عن النأي بالنفس، وسألت: هل يندرج ما قاله نصرالله في خطابه الاخير حول الصواريخ في إطار النأي بالنفس؟ عندما يتحدثون عن هذه المسألة لدينا ما نقوله بالتأكيد.

المعارضة
الى ذلك، عبّرت مصادر نيابية معارضة عن سخطها مما آل اليه وضع البلد، وقالت لـ«الجمهورية»: «وحده الطاقم السياسي الحاكم يتحمّل مسؤولية هذا الانحدار». أضافت: «كيف يمكن ان يُحكم البلد بهذه العقلية، وفي هذا الجو من التفكّك داخل الحكومة، آن الاوان لتتوقف مسرحية التكاذب المتبادل ومحاولة تخدير الناس بانجازات وهمية».

الموازنة
من جهة ثانية، وعشية بدء جلسات لجنة المال والموازنة الاثنين المقبل، تُرسم علامات استفهام حول مسار النقاشات وأي موازنة سينتهي اليها النقاش، وكذلك حول الفترة التي سيستغرقها هذا النقاش وسط حديث عن انّه سيمتد الى ما بعد 15 تموز، وخصوصاً ان معظم القوى السياسية أعلنت سلفاً انّها غير راضية على مشروع الموازنة كما احالته الحكومة، وانّها اعدّت سلة تعديلات لإدراجها فيه.

وبالتوازي مع ارتفاع اصوات مشككة بنسبة العجز المقدّر في الموازنة، وأنّه اكبر من 59،7% ما يستوجب تعديلات لبلوغ هذا الامر، علمت «الجمهورية» انّ المعارضة النيابية، ستركّز على اعتراضها على مشروع الموازنة على اعتبار ما هو مطروح امام النواب هو موازنة غير واقعية لا تعبّر عن حقيقة الأزمة التي يعانيها لبنان، بل هو يخفي حقيقة هذه الأزمة ويحاول تجميلها بأرقام غير واقعية. واكّدت مصادر المعارضة لـ«الجمهورية»، ان امامها سلة واسعة من التعديلات، والإلغاءات التي تطال العديد من الرسوم والمواد في المشروع.

وبحسب مصادر «القوات اللبنانية»، فإنّها ستقارب النقاش في اللجنة المالية انطلاقاً من التأكيد على النقاط التي تحفظت عليها في مجلس الوزراء، كتوطئة لمحاولة إقرارها في اللجنة المالية، والتي عليها قد يتوقف التصويت مع الموازنة او ضدها، ولكن في الاساس يجب الانتهاء من الموازنة في وقت قريب.
اما «حزب الله»، فأكّدت اوساطه لـ«الجمهورية»، ان وزراءه سعوا في مجلس الوزراء الى الحؤول دون إقرار رسوم تطال الفئات الشعبية، وتوجّهه في اللجنة المالية او الهيئة العامة لمجلس النواب لأن يخوض معركة عدم تمرير اي رسوم تطال هذه الفئات.

والأمر نفسه بالنسبة الى الحزب «التقدمي الاشتراكي»، فعينه، كما قالت مصادر وزارية «اشتراكية» لـ«الجمهورية»، على استفادة الخزينة من الأملاك البحرية إضافة الى تخفيض رواتب السلطات العامة.

الطاقة الإغترابية
من جهة ثانية، إفتتح الرئيس عون أمس، مؤتمر الطاقة الاغترابية في «البيال»، والقى كلمة اكّد فيها انّ «لبنان يكافح اليوم للنهوض من أزمات مزمنة متراكمة خصوصاً في الميدان الاقتصادي، ولكنه يسلك درب التعافي، مشيراً إلى أنّ كل جهد من المنتشرين اللبنانيين، «سيساعده دون شك على المضي قدماً في هذه الدرب».

ايريناوس واليازجي في بكركي
من جهة أخرى، إستقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الصرح البطريركي أمس، بطريرك بلغراد وسائر صربيا ايريناوس، وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، يرافقهما وفدان من الكنيسة الصربية الأرثوذكسية والكنيسة الأنطاكية، في زيارة رسمية سلامية هي الأولى للبطريرك ايريناوس الى كنيسة أنطاكية، وكان في استقبالهما مجلس المطارنة الموارنة.