ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: "عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نتابع ما عشناه من أجواء روحية وإيمانية، ومن متابعة لأنفسنا في شهر رمضان، فلا ينتهي كل ذلك بانتهاء شهر رمضان، فنهجر بعده القرآن والدعاء والاستغفار والتواجد في المساجد وصلة الأرحام والجيران والمؤمنين أو إحياء الليل بالصلاة والعبادة أو الرقابة المشددة على ألسنتنا وأسماعنا وأبصارنا وجوارحنا، وكأن هذه الأعمال خاصة بشهر رمضان فقط!
إن شهر رمضان لا ينبغي أن يكون مرحلة من الزمن، بل ينبغي أن يكون له حضوره في كل الزمن، بأن يلقي بظلاله الروحية والإيمانية والتربوية عليه، وبذلك نكون أوفياء لشهر رمضان الذي قدم علينا بخيره وبركاته، حيث الأنفاس فيه تسبيح، والنوم فيه عبادة، والأجر فيه مضاعف، ويكفي أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ومتى وعينا معاني هذا الشهر وعشناها، فسنكون في قادم أيامنا أطهر وأنقى وأكثر قدرة على مواجهة التحديات".

أضاف: "البداية من لبنان، الذي فوجئ اللبنانيون فيه بالعملية الإرهابية التي حصلت في طرابلس ليلة عيد الفطر المبارك، ونغصت عليهم عيدهم، وأودت بحياة عدد من العسكريين في قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، وجددت مخاوف اللبنانيين بعودة الإرهاب إلى الداخل اللبناني بعد ارتياح نسبي استمر ثلاث سنوات، دفع الكثير من السياسيين إلى اعتبار لبنان البلد الأكثر أمانا في المنطقة.
إننا نرى فيما حدث خرقا خطيرا لهذه الساحة، رغم سعي القوى السياسية إلى التقليل منه، واعتباره عملا فرديا، وقد بالغ البعض باعتبار من قام به مختلا عقليا. إن الأمر يستدعي دق ناقوس الخطر لاحتمال أن يكون ما حدث هو بداية لعودة الإرهاب إلى الساحة اللبنانية لإرباكها، في ظل احتدام الصراع في المنطقة، ولأن ضبط الأعمال الإرهابية الفردية، لو اعتبرنا ما جرى عملا فرديا، ليس بالأمر اليسير، بل قد يكون أكثر تعقيدا من ضبط الحالات المنظمة، إلا أننا على ثقة بأن الأجهزة الأمنية، من جيش وقوى أمن، تمتلك من الوعي والخبرة ما يجعلها قادرة على مواجهة هذه الحالات المرفوضة من جميع اللبنانيين". 

ودعا إلى "إعادة تعزيز الوحدة الداخلية، فلا يمكن أن يواجه الإرهاب إلا بهذه الوحدة وبتماسك الجميع".

وقال: "إن ما يؤسف له أن هذه العملية، رغم كل الجراحات التي حصلت فيها، والخطورة التي تؤشر عليها، لم تؤد إلى أية فرملة للسجالات الجارية بين القوى السياسية المشاركة في الحكومة، تحصينا للساحة الداخلية، وشعورا بالمسؤولية تجاهها، بل تحولت إلى مادة سجالية إضافية أسهمت في تشنج إضافي في الساحة الداخلية. ونحن نرى في استمرار هذه السجالات إساءة إلى كل الدماء التي نزفت، والجراحات التي حصلت، وهي تسهل عمل الفئات الإرهابية وتعزز حضورها.
إننا أمام هذا الوضع الخطير، ندعو إلى معالجة جادة للأسباب التي أدت وتؤدي إلى نشوء هذه الظواهر على المستوى الفكري، ولأسلوب التعامل معها على المستوى القضائي، ونوعية الخطاب الديني أو السياسي، ومعالجة أوضاع المناطق المحرومة بجدية، فقد أصبح من الواضح أن الإرهاب يحاول أن يجد فيها ملاذا وبيئة حاضنة.
وفي الوقت نفسه، ندعو إلى تعزيز دور الجيش اللبناني والقوى الأمنية على كل المستويات، حتى تستمر في أداء دورها المطلوب منها، وهي من تبذل التضحيات في هذا الطريق، فمن غير المقبول أن تنزل هذه القوى إلى الشارع لاستعادة حقوقها، بدلا من الحرص على حفظ حقوقها وفاء لها، من دون أي منة من أحد".

وتابع فضل الله: "من جهة أخرى، وعلى أبواب دراسة الموازنة في مجلس النواب مطلع الأسبوع القادم، فإننا ندعو النواب إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه مواطنيهم الذين أوصلوهم إلى سدة المجلس النيابي، بأن يكونوا الأمناء على مصالحهم، وأن يكونوا صوتا لهم لا عليهم، بعدما أصبح واضحا، ومن خلال أرقام الموازنة، مدى الغبن الذي سيلحق باللبنانيين، على خلفية إقرار الموازنة، بعدما جرى توفير سد العجز من جيوب الفقراء والطبقات المتوسطة، بدلا من أن يؤخذ من جيوب الأغنياء، ومن خلال سد منافذ الفساد والهدر والمستأثرين بالمال العام.
وفي مجال آخر، وليس بعيدا عن الموازنة، فإننا نستغرب صمت المسؤولين وعدم اهتمامهم بمطالب أساتذة الجامعة اللبنانية وجعل عشرات الألوف من الطلاب خارج مقاعد الدراسة.
إننا ندعو إلى الإسراع بمعالجة هذا الملف، بما يضمن تعزيز هذه الجامعة؛ جامعة الفقراء والمساكين، وهذا لن يتم إلا بتعزيز أساتذتها وموازنتها، فلا تكون الجامعة الوطنية عرضة للتهميش لحساب الجامعات الخاصة بعدما أصبح لكل طائفة جامعاتها".

وتنوال الوضع في السودان، "الذي يواجه مرحلة خطيرة بفعل الانقسام الدموي بين المجلس العسكري والفاعليات الشعبية، والذي تسبب بسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى من الشعب السوداني". وقال: "نخشى أن يؤدي هذا الأمر إلى نشوب حرب داخلية بدأت تجلياتها تهدد هذا البلد الغني بثرواته وبإنسانه، والذي يريد الكثيرون في هذا العالم أن يجدوا لهم موطئ قدم فيه، حيث رأينا في التجارب السابقة كيف يتم استغلال الانقسامات الداخلية لحساب القوى الدولية والإقليمية.
إن هذا الوضع يدعو الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم، لأن سقوط تجربة شعبية جديدة قد يعني وصول الناس إلى الحائط المسدود في طول هذا الوطن العربي وعرضه، الأمر الذي يفسح المجال لمراحل عنف جديدة وانقسامات كبيرة لا يستفيد منها إلا العدو وأعداء الأمة.
إننا نراهن على وعي الشعب السوداني وقواه، للخروج بصيغة تضمن الاستقرار في هذا البلد، وتؤمن للشعب السوداني العيش الكريم، في ظل دولة عادلة بعيدة عن الاستئثار والهيمنة.
وأخيرا، وبعيدا عن السجالات حول العيد، فإن رأي سماحة السيد (رض)، والذي على أساسه كان العيد يوم الثلاثاء، هو الأخذ بالحسابات الفلكية عندما تفيد هذه الحسابات بأن في القمر كمية من الضوء، بحيث يمكن أن يرى لو أريد رؤيته، وهو الأمر الذي حصل في عدة مواقع من القسم الغربي في الأمريكيتين، وهي أماكن نلتقي معها بقسم من الليل.
نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل، وأن يجعل أيامنا كلها أعيادا، من خلال حملنا جميعا للمسؤولية الإيمانية والشرعية والأخلاقية".