إثيوبيا تقود وساطة لتليين المواقف بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الثورة في السودان.
 
أثمرت الضغوط الدولية المسلطة على طرفي الحوار في السودان إظهار رغبة أوضح في العودة إلى الحوار سواء من بوابة الحماس للوساطة الإثيوبية بالنسبة إلى قوى الحرية والتغيير أو من خلال التخلي عن مبادرة الانتخابات المبكرة بالنسبة إلى المجلس العسكري الانتقالي.
 
ويأتي هذا وسط مخاوف من أن يقود الخلاف بين طرفي الأزمة إلى انزلاق السودان إلى الفوضى ويفتح الباب أمام استثمار قوى متطرفة للوضع الأمني الهش لدفع البلاد إلى مواجهات مسلحة على شاكلة ما يجري في اليمن أو ليبيا.
 
وحثت السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا طرفي الأزمة على العودة إلى المفاوضات، فيما حذرت روسيا من أن الوضع الأمني الهش في السودان يفتح الباب أمام المتطرفين، في وقت بدأت فيه الحركة تعود إلى الخرطوم، الخميس، بعد أيام مشحونة. وكان المحتجون قد سدوا طرقا بالحجارة والإطارات المشتعلة في أعقاب المداهمة.
 
وحاولت قوات الأمن بقيادة قوات الدعم السريع فتح الطرق. وقال شهود إن حركة المرور عادت من جديد إلى طرق رئيسية بالخرطوم لكن كثيرا من المتاجر ظلت مغلقة.
 
وقال شهود عيان إن قوات الدعم السريع، التي توجه لها أصابع الاتهام بالهجوم على الاعتصام، قد باشرت الانسحاب من شارع النيل المؤدي إلى ميدان الاعتصام في الخرطوم، وهو ما يعني الاستجابة لشروط المحتجين ومحاولة لطمأنة القوى المعارضة وامتصاص الغضب الواسع في صفوفها.
 
وأعلنت الإمارات، الخميس، أنها “تتابع باهتمام بالغ وبقلق” تطورات الوضع في السودان داعية إلى “حوار بناء” بين مختلف الأطراف للحفاظ على استقرار البلاد.

وعبرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في بيان أوردته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام) عن الأمل في “تغليب منطق الحكمة وصوت العقل والحوار البناء لدى الأطراف السودانية كافة”، مؤكدة “أهمية استئناف الحوار بين القوى السودانية المختلفة لتحقيق آمال وتطلعات شعب السودان الشقيق”.

وأعلنت السعودية أنها تتابع “ببالغ القلق” الوضع في السودان، مؤكّدة أهمّية “استئناف الحوار بين القوى السودانية المختلفة لتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني الشقيق”، كما جاء في بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، الأربعاء.

من جهتها، قالت وزارة الخارجيّة الأميركيّة إنّ المسؤول الثالث في الوزارة ديفيد هيل بحث، الثلاثاء، في الأوضاع السّودانية مع الأمير خالد بن سلمان، نجل العاهل السعودي ونائب وزير الدفاع.

وأوضحت المتحدّثة باسم الوزارة مورغان أورتاغوس في بيان أنّ هيل “ذكّر بأهمّية الانتقال إلى حكومة مدنيّة وفقا لإرادة الشعب السوداني”.

وكتب السّفير البريطاني في الخرطوم عرفان صديق في تغريدة “المهم في هذه الأوقات العصيبة أن يتمكّن الجميع من التواصل وخصوصا لبث رسائل تدعو إلى الحفاظ على الهدوء والسلام”.

وانضم الاتحاد الأفريقي إلى قائمة الضغوط حين أعلن أنه علق بمفعول فوري عضوية السودان في المنظمة إلى حين إقامة سلطة انتقالية مدنية، وأن تلك هي الوسيلة الوحيدة لإفساح المجال أمام السودان للخروج من الأزمة الحالية.

ويعتقد مراقبون أن هذه الضغوط لا تهدف إلى معاقبة المجلس العسكري بقدر ما تدفعه كطرف رئيسي في الثورة مكلف بحماية الانتقال السياسي إلى أن يبادر لتخفيف التوتر وتجاوز مخلفات التصريحات الصادرة عن قياداته والتي صبت الزيت على النار كتلك التي أعلن فيها وقف التفاوض والتحضير لانتخابات خلال تسعة أشهر.

ودعت روسيا، الخميس، إلى “استعادة النظام” بوجه “المتطرفين والتحريضيين الذين لا يريدون استقرار الوضع″ في السودان.

ونقلت وكالة أنترفاكس عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أنّ “الوضع معقد جدا ونحن نؤيد حل كل المسائل على أساس الحوار الوطني، والبحث عن حلول توافقية بشأن المرحلة الانتقالية التي يجب أن تؤدي إلى انتخابات”.

وتهدف الضغوط الدولية إلى منع انزلاق السودان إلى وضع أمني تصعب السيطرة عليه ما قد يمهد لمواجهات ميدانية مسلحة بين دوائر داخل القوات الأمنية لا تزال مقتنعة بآليات النظام السابق في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، مثل قوات الدعم السريع، فضلا عن مجموعات معارضة تلجأ للهروب إلى الأمام بدل التوصل إلى اتفاق عملي يخرج البلاد من غياب السلطة إلى سلطة انتقالية ذات مشروعية ولو بشكل مؤقت.

ونفى المجلس العسكري ضلوع قوات الدعم السريع في أي أفعال غير قانونية، وقال إنها تواجه حملة إعلامية سلبية من “جهات مغرضة”.

وأضاف أن المداهمة استهدفت “منفلتين” فروا من موقع الاعتصام وأحدثوا فوضى.

وتدفع الضغوط الدولية الفرقاء المتخاصمين إلى ترك هامش من اللين يتيح للوساطات أن تحرك المفاوضات بين الجانبين من جديد، خاصة مع إعلان إثيوبيا عن لعبها دورا ما في التهدئة.

وقال مصدر دبلوماسي في سفارة إثيوبيا بالخرطوم إن رئيس الوزراء أبي أحمد سيزور العاصمة السودانية للوساطة بين المجلس العسكري وتحالف المعارضة بشأن الانتقال نحو الديمقراطية.

وأبلغ المصدر رويترز أن أبي سيجتمع مع أعضاء المجلس العسكري الانتقالي وشخصيات من حركة إعلان قوى الحرية والتغيير المعارضة خلال الزيارة التي تستمر يوما واحدا.

وكان الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان قائد المجلس العسكري قال في خطاب بثه التلفزيون، الثلاثاء، إن “القوى السياسية التي تحاور المجلس العسكري تتحمل ذات المسؤولية في إطالة أمد التفاوض بمحاولة إقصاء القوى السياسية والقوى العسكرية والانفراد بحكم السودان لاستنساخ نظام شمولي آخر يُفرض فيه رأي واحد يفتقر للتوافق والتفويض الشعبي والرضاء العام”.

وذكر أن المجلس قرر إلغاء كل الاتفاقات مع جماعات المعارضة والدعوة إلى انتخابات خلال تسعة أشهر.

وأضاف أن الانتخابات ستكون خاضعة لإشراف إقليمي ودولي، وقال “إن اكتساب الشرعية والتفويض لا يأتي كما ذكرت إلا بصندوق الانتخابات”. وأعلن كذلك أنه سيتم تشكيل حكومة على الفور لإدارة البلاد إلى حين إجراء الانتخابات.

لكن المجلس سرعان ما تراجع عن هذه التصريحات وعاد ليعرض الحوار مع قوى الحرية والتغيير التي لا تزال تضع الشروط لمنع تكرار اجتياح جديد لمقر الاعتصام، وخاصة للحيلولة دون تفرد المجلس الانتقالي بقرارات مثل إعلان انتخابات مبكرة لن يستفيد منها سوى حزب البشير الذي يستطيع من خلال خطوة مغامرة أن يعود إلى السلطة من بوابة انتخابات غير متكافئة.