زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم الذي يشكو تهميش شركائه له وعدم تمكينه من حصّته في التركيبة الحكومية، يجد الفرصة مواتية للقفز من مركب هؤلاء الشركاء والعودة إلى حاضنته الأصلية إيران من خلال إعلانه الاصطفاف إلى جانبها في صراعها ضدّ الولايات المتحدة، ومحاولة المزايدة على حكومة بغداد في هذا المجال.
 
أرسل الزعيم الشيعي العراقي عمّار الحكيم إشارات إيجابية باتّجاه طهران تظهر استعداده لإعادة الاصطفاف إلى جانبها، محاولا استعادة ثقتها فيه والتي تراجعت بشكل واضح منذ أن اختار التحالف مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر المعروف بمواقفه الناقدة لارتباط العراق بإيران ودعواته إلى الحد منه، ولتحقيق استقلالية القرار العراقي عن دائرة التأثير الإيراني.
 
وأعلن الحكيم الذي يتزعّم تيار الحكمة المنشقّ عن المجلس الأعلى الإسلامي ويرأس تحالف “الإصلاح والإعمار” الذي يلعب فيه التيار الصدري دور القاطرة، عدم الحيادية تجاه ما سمّاه “سياسة الحصار” التي تمارسها الإدارة الأميركية ضدّ إيران.
 
وقال الحكيم في خطبة صلاة العيد أمام المئات من أتباعه “نقولها بوضوح لسنا حياديين تجاه سياسات الحصار والتجويع التي يتعرض لها الشعب الإيراني المسلم والشقيق بعقوبات أحادية مستنكرة”.
 
ويتضمّن كلام الحكيم انتقادا لأسلوب حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في تعاطيها مع الأزمة القائمة بين إيران والولايات المتحدة ورفعها شعار الحياد والنأي بالنفس وتجنّب سياسة المحاور، عارضة القيام بدور الوسيط لنزع فتيل التوتّر ومنع تحوّله إلى صدام عسكري.
ويفصح انتقاد زعيم تيار الحكمة لحكومة عادل عبدالمهدي عن حالة الغضب من الحكومة التي ينسب تشكيلها للتيار الصدري بالتعاون مع أقطاب تحالف الفتح بزعامة هادي العامري قائد ميليشيا بدر.
 
ويُتّهم كلّ من الطرفين بتهميش حلفاء له وعدم تمكينهم من المناصب السياسية والإدارية التي كانوا يسعون للحصول عليها، وهو ما يفسّر ما دار قبل فترة من أحاديث بشأن توجّه العديد من الأطراف السياسية للانشقاق عن تحالفي الصدر والعامري والانخراط في تحالف جديد لا يستثني من أهدافه إسقاط حكومة عبدالمهدي.
 
ووصف مراقب سياسي عراقي موقف عمّار الحكيم مما سمّاه حصارا وعقوبات أحادية على إيران، بأنّه “محاولة لاستعادة حضوره في المشهد السياسي يبذلها وهو يدرك أن المنبر الديني هو المكان الوحيد الذي يمكن أن يعتليه ويخاطب من خلاله جمهوره الذي انفضّ من حوله”.
 
وتعليقا على تراجع المكانة السياسية لزعيم تيار الحكمة، وأيضا شعبيته في الشارع الشيعي العراقي، قال المراقب السياسي إنّه “لا أحد من السياسيين المتنفذين سينصت إليه. فهو لم يعد شريكا في الحكم. وإذا ما كان عادل عبدالمهدي في وقت سابق عضوا في المجلس الأعلى وهو إرث عائلة الحكيم السياسي، فإن ذلك المجلس لم يعد موجودا وما تيار الحكمة الذي يتزعمه الحكيم اليوم إلا صورة شاحبة من ذلك التنظيم السياسي الذي أسسه عمه وأبوه في إيران”.
 
وتعليقا على اعتبار دعوة الحكيم إلى عدم الحياد تجاه الصراع الأميركي الإيراني، محاولة منه لإعادة الاصطفاف إلى جانب طهران بعد عدم حصوله على أي مكاسب من تحالفه مع منتقديها، قال المراقب العراقي “إنّ الرجل الذي ولد وعاش في إيران ويحمل جنسيتها يسعى في كل مناسبة لأن يذكّرها بأنه لا يزال موجودا بعد أن أهملته وركزت كل اهتمامها على زعماء الميليشيات الكبيرة والصغيرة على حد سواء”.
 
ويضيف المتحدّث ذاته “من الواضح أن الإعلان عن الوقوف مع إيران في صراعها مع الولايات المتحدة من قبل السياسيين العراقيين صار بمثابة طوق نجاة بعد أن شعروا أن طبول الحرب قد صمتت وصار من المرجح كما تشيع إيران أن تتراجع الولايات المتحدة عن شروطها. وهو ما يدل على سذاجة سياسية في قراءة الموقف. فالولايات المتحدة لن تتراجع عن العقوبات التي تفرضها على إيران إلاّ إذا نفّذت الأخيرة شروطها. غير أن تسلية الرأي العام ببطولات زائفة من نوع ما ذهب إليه الحكيم في تصريحاته صارت أشبه بالواجب الشرعي من أجل رفع معنويات أركان النظام الإيراني”.
 
وربط عمّار الحكيم دعوته للوقوف إلى جانب إيران بسيادة العراق، قائلا “أشرنا سابقا إلى أن العراق يقع في قلب الصراع الأميركي الإيراني لما يمتاز به من موقع جيوسياسي فاعل ومؤثر وما يحمله من إرث تاريخي يحتم عليه دورا رياديا في مواجهة الأزمات التي تعصف بالمنطقة، من خلال الانطلاق من سياسة وطنية مستقلة قائمة على المصالح العليا للعراق”.
 
وأوقع تصاعد التوتّر بين إيران والولايات المتحدة وظهور نذر تحوّله إلى صراع عسكري، العراق في حرج شديد نتيجة الارتباط الوثيق لبغداد بالطرفين معا سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وبدا الحلّ الأسهل لدى القيادة العراقية هو إعلان سياسة الحياد والنأي بالنفس واقتراح لعب دور الوسيط بين الطرفين، دون أن تكون هناك إمكانية حقيقية للقيام بذلك في ظلّ وجود أطراف سياسية نافذة معروفة بولائها الشديد لطهران وتعمل باستمرار على تطويع مقدّرات البلد وتفصيل قراراته ومواقفه على مقاس المصلحة الإيرانية، وهو الأمر الذي تجسّد عمليا خلال قمّة مكّة العربية الطارئة الأخيرة والتي اعترض العراق على بيانها الختامي على خلفية ما تضمّنه من إدانة للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وتهديدها لأمن الإقليم واستقراره.