تركت العملية الإرهابية التي ارتكبها عبد الرحمن مبسوط في طرابلس عشية يوم عيد الفطر المبارك، والتي تبنّاها تنظيم "داعش" الإرهابي فوراً عبر وكالة "اعماق" الإخبارية التابعة له، أسئلة كبيرة تحتاج إلى إجابات دقيقة ووافية من السلطات الأمنية والسياسية، بعد التعمّق في التحقيقات عن خلفيات العملية وآليات تنفيذها ومن أمر بها ولماذا وكيف حصل الجاني على سلاحه من رشاش وذخيرة وقنابل يدوية، بدل الغوص في تحليلات واستنتاجات مبكرة بعضها ربما يشكّل تبريراً للارهابي، وهو أمر توقّف عنده نائب طرابلس رئيس "تيار الكرامة" فيصل كرامي أمس، باستغرابه كلام المدير العام للأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بأن الارهابي "مضطرب نفسيا" ورأى أن ذلك يعطي "عذراً وأسباباً تخفيفية" لكل الإرهابيين بارتكاب أعمال إرهابية انفرادية من منطلق أنهم جميعا "مضطربون نفسيا". إلا اذا كان قصد اللواء عثمان الإشارة إلى ما يعانيه الارهابي من وضع معيشي واجتماعي قاسٍ، حيث ترددت معلومات أن والده تبرأ منه منذ أن تمّ اعتقاله عام 2017 بعد عودته من القتال في سوريا إلى جانب التنظيمات الارهابية، وأعطاه غرفة أقل من متواضعة .
لكن مهما كان قصد اللواء عثمان، وهو المعني الأول بمثل هذه الجريمة الارهابية، خاصة أنه قال أمام الشاشات أنه هو من أوقف الجاني وسلّمه للقضاء وقتها، فإن الاكتفاء بأن ما حصل قد حصل وأنه عمل فردي وأن الأمن ممسوك وقيد المتابعة، أمر لا يُطمئن المواطن على مصيره، خاصة أن الارهابيين لا قواعد انسانية واخلاقية تحكم عملهم ويمكن أن يُقدموا على أي عمل ضد المدنيين بلا وازع ديني أو ضميري أو أخلاقي، بالإضافة إلى أن الجريمة كما حصلت هي، بتقدير متابعين طرابلسيين لها، نتيجة سياسات خاطئة اتبعت تجاه هذه الشريحة من الشباب حامل الفكر الإسلامي التكفيري المتطرّف، بحيث تمّ الاكتفاء بسجن بعضهم فترات قصيرة وفي ظروف سجن غير انسانية، عدا ترك الكثير منهم بلا محاكمات لفترات طويلة ما يزيد نقمتهم وغضبهم. ومهما يكن من أمر، فالقول إن الارهابي مرتكب الجريمة "ذئب منفرد" أو يعمل منفرداً بقرار ذاتي، أو ارتكب جريمته لأسباب انتقامية من القوى العسكرية والأمنية، هو استباق لما يجب أن يكون من تحقيق مكثّف وعميق وواسع، لا شكّ أن القوى الأمنية ستعمل عليه، لمعرفة كل تفاصيل الجريمة واستباق حصول عمليات مماثلة لا أحد يضمن عدم حصولها ولا زمانها ولا مكانها، وهو أمر يُعالج بالسياسة أيضا كما بالأمن، من حيث عدم توفير حماية طائفية ومذهبية لمعتنقي هذا النهج المتطرف، ولأسباب انتخابية شعبوية أو لأسباب تتعلّق بالخلاف بين القوى السياسية في طرابلس وفي البلد عموما.
ما حصل في طرابلس بات يفترض من كل القوى الطرابلسية خاصة واللبنانية عامة، الخروج من منطق الحمايات السياسية لكل المرتكبين، سواء مرتكبي الجرائم أو عمليات نهب الدولة بالفساد المستشري. ولعل ما حصل بين مسؤولي "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" مؤخراً من سجالات حول أمور قضائية وامنية يزيد من تفاقم المشكلة، لأنه يوفّر أرضية وأعذارا لكل المرتكبين. ما يعني بحسب المتابعين ضرورة إيجاد تغيير ما في كل النهج المتبع، وبالقدر ذاته يفترض عدم المسّ بالأمور الضرورية في موازنات القوى العسكرية والأمنية لتتمكن من تجهيز نفسها بقوّة لمواجهة أي أحداث أمنية كبرى، كما تفترض وقف "حروب الأخوة" في القضايا الأمنية وتحقيق أكبر قدر من التنسيق والتعاون بدل التباري بمن يحقق إنجازات أكثر أو تعطيل طرف على آخر.

 

المصدر: الحدث