دخل حصار قطر عامه الثالث. ليس في الافق ما يستبعد دخوله العام الثالث عشر، او الثالث والعشرين، أو حتى الثلاثين.. الابواب مقفلة على الحوار الذي يبدو أنه بات يحتاج الى صدفة شبيهة بقمم مكة الاخيرة، وفرص الحل شبه معدومة وهي تكاد تعادل إجتراح معجزة.

تكيفت دول الحصار الاربع مع الحصار، حتى صارت مقاطعة قطر من طبيعة الامور السعودية والاماراتية والمصرية والبحرينية، وتحولت الى عرفٍ او تقليدٍ أو حتى إرث. وتكيفت قطر مع الحصار، حتى أصبح فرصة لإستكمال منظومتها الوطنية، لترسيخ الامارة الجديدة وبناء الدولة القطرية الثانية أو الثالثة.

ما يردده الجانبان، سواء في عواصم الحصار من جهة وفي العاصمة القطرية من جهة أخرى، تجاوز لحظات الانفعال والتوتر الاولى، لكنه، وللأسف، يقود الى الاستنتاج أن الحل السياسي للازمة يبتعد يوماً بعد يوم، ويؤدي الى التكهن بأن تتم في مرحلة ما المجاهرة بأن الحل ليس مطلوباً لأنه لم يعد يخدم مصلحة أحد، لا في الاقليم الخليجي ولا في المجال العربي..

حسابات الربح والخسارة لم تبدأ بعد، برغم أن لائحة المطالب ال13 المستحيلة لم تسحب عن الطاولة بعد، وإن كانت قد سحبت من التداول مؤخرا، ووبرغم أن المخاطر التي لاحت في الساعات والايام الاولى من الحصار، والتي تكشفت تفاصيلها مؤخراً، ما زالت قائمة، وإن كانت قد أخرجت من جداول الاعمال المثقلة بالحروب والازمات والتهديدات، الخليجية خاصة. لكن الحساب الاولي يصب في مصلحة قطر، بغض النظر عن خطاب الصمود العفوي، ويمهد ربما لخطاب قطري مختلف لا يلوم دول الحصار ولا يعاتبها، بل يكتفي بسرد المكاسب التي حققتها الدوحة منذ الخامس من حزيران يونيو العام 2017، والتي كان معظمها ضربة حظ، لكنها تبدو إنجازات للسياسة في مجالها العربي الواسع.   

ولولا البعد الانساني لأزمة الحصار، لجاز تكرار القول أن الخلاف الخليجي ظاهرة طبيعية صحية، وهي من وجهة نظر بعيدة عن ذاك الشأن الداخلي، مطلوبة ومرغوبة الآن أكثر من أي وقت مضى. ثمة حاجة عربية، الى بقاء قطر، مع الكويت وسلطنة عمان، خارج حرب اليمن وتكاليفها الاخلاقية والسياسية والاقتصادية الباهظة، تلك الحرب التي لن تنتهي الا بهزيمة قاسية للتحالف السعودي الاماراتي.. وثمة حاجة عربية أيضا، الى بقاء قطر، مع الكويت، خارج صفقة القرن الفلسطينية التي لن يكون من شأنها سوى التسبب بحريق فلسطيني هائل لن ينجو أي عربي من آثاره.. وثمة حاجة عربية إلى بقاء قطر، مع الغالبية العربية التي تناهض تجديد الحرب الاهلية في ليبيا، وتعارض التدخل في الشأن السوداني، الذي يعيد الى الاذهان اليوم تجربة التدخل الفظ في الشأن المصري.. وثمة حاجة عربية الى بقاء قطر بعيدة عن ذلك الصراع البالغ الخطورة مع إيران الذي يمكن ان يتحول في أي لحظة الى حرب مدمرة للامن والاقتصاد والاجتماع العربي.. وثمة حاجة عربية الى بقاء قطر قريبة من تركيا التي لا يمكن خسارتها كحليف وشريك في الكثير من الهموم العربية، لا سيما الهم السوري، وإفتعال خلافات معها ليس لها أي أساس واقعي أو منطقي، لاسيما في ظل الإشتباك مع إيران.

لهذا الاسباب، يمكن الزعم أن إستمرار الخلاف الخليجي لثلاث سنوات او حتى لثلاثين سنة أخرى، قد يكون مفيداً للسياسة الخارجية العربية، التي لا يمكن إختزالها بمواقف دول الحصار الاربع، ولا يجوز إعتبارها مجرد صدى للعلاقات العربية المعقدة مع أميركا، التي لا يشك أحد في كونها مصدر الازمة الخليجية والكثير غيرها من الازمات العربية الراهنة. الوفاق الخليجي يمكن ان يكون مطلباً، في حالة واحدة فقط.. لم يعد لها أساس، منذ أن خرجت مصر من قيادة العالم العربي، ودخلت في غيبوبة طويلة.