هناك مَن يصرّ لاعتبارات شخصية وغير موضوعية على اعتبار انّ الحكومة اللبنانية هي حكومة طهران وحزب الله، ولكن كيف يستقيم هذا الكلام بعد انتقاد السيد حسن نصرالله العنيف لموقف الحكومة في القمة العربية؟
 

قال أمين عام «حزب الله» إنّ موقف الوفد اللبناني في القمة العربية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري «لا ينسجم مع البيان الوزاري، ومخالف لتعهّدات الحكومة. أين هو النأي بالنفس؟ غير مطلوب منك أن تحكي مثل الرئيس العراقي. بإمكانك أن تقول إنّ الحكومة تنأى بنفسها، كما كان يحصل في قمم أخرى»، وأكد نصرالله أنّ «الموقف مرفوض ومُدان ولا يُمثل لبنان».

يؤكد موقف السيد نصرالله مرة إضافية انّ الحكومة اللبنانية ليست حكومة «حزب الله» ولا تأتمر بأوامره، ولو كانت حكومة الحزب لكانت اعترضت كما فعل العراق، او نأت بنفسها كما طالبها نصرالله، أو لم تلبِّ الدعوة من الأساس، وهذا ما يثبت انّ كل الاتهامات بحقها بأنها حكومة الحزب باطلة.

وقد أراد الرئيس الحريري أن يكون موقف الحكومة اللبنانية منسجماً بشكل كامل مع الموقف العربي، خصوصاً انّ القمم الثلاث العربية والإسلامية والخليجية أتت في أعقاب رسائل أمنية إيرانية مباشرة، وفي مرحلة تحوّلات إقليمية كبرى تستدعي توجيه رسائل عربية حازمة بأنّ الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً ليست صندوقَ بريد للرسائل الإيرانية الساخنة الموجّهة إلى واشنطن، وانّ هذه الدول لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تكرّرت الرسائل الأمنية الإيرانية.

وقد تقصّد الحريري ألّا يأخذ في الاعتبار الانقسام اللبناني-اللبناني حول قضايا المنطقة والموقف اللبناني منها، وذلك للاعتبارات الآتية:

الاعتبار الأول، لأنّ الموقف اللبناني الرسمي لا يمكن أن يغرِّد خارج الشرعية العربية او الشرعية الدولية، وهذا الموقف لا يتأثر بالانقسام او الخلافات الداخلية كونه يتعلق بجوهر تكوين لبنان ودوره الخارجي.

الاعتبار الثاني، لأنّ الموقف اللبناني الرسمي هو موقف وطني مبدئي، وفي حال نأى بنفسه عن الهواجس العربية حيال الدور الإيراني، يمكن للدول العربية أن تتعامل معه بالمثل فتنأى بنفسها عنه، الأمر الذي لا يستطيع لبنان تحمّله مالياً واقتصادياً وسياسياً.

الاعتبار الثالث، لأنّ بيان مكة لم يأتِ على ذكر «حزب الله» لا من قريب ولا من بعيد.

الاعتبار الرابع، لأنّ مَن يتدخّل عسكرياً في سوريا وفي أكثر من دولة في المنطقة، ومَن يهدّد واشنطن بضرب مصالحها في حال أعلنت حربها على طهران ويعرِّض لبنان للدمار، ومَن ينفِّذ سياسة إيرانية لا علاقة لها بالمصلحة اللبنانية، لا يحق له انتقاد موقف الحكومة اللبنانية، وهو موقف مبدئي-سياسي، فيما تدخلاته في المنطقة هي تدخلات عملية عسكرية وأمنية، وبالتالي قبل أن يطالب الحكومة اللبنانية بتطبيق سياسة النأي بالنفس عليه أن يطبِّق هذه السياسة على نفسه، فالمنطق القائل إنّ ما يصحّ لـ»حزب الله» لا يصحّ للحكومة لا يستقيم، والجزء الأكبر من الأزمة اللبنانية مردُّه إلى دور الحزب وخروجه عن الإجماع اللبناني ودور الدولة اللبنانية.

فبأيِّ منطق يريد «حزب الله» أن يكون شريكاً في الحكومة في كل ما يتصل بشؤون البلد الداخلية والحياتية، فيما يتفرّد بالسياسة الخارجية ودوره المسلّح، ويريد من الحكومة أن تنأى بنفسها عمّا ورد في مقدمة الدستور لجهة أنّ «لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بقراراتها»، وبالتالي من البديهي أن يلتزم لبنان بقرارات الجامعة التزاماً بدستوره.

وفي ظل استحالة حسم الإزدواجية بين منطقي الدولة والثورة، فإنّ أحد عناصر التسوية القائمة انّ مواقف «حزب الله» لا تعبِّر عن موقف لبنان الرسمي وانّ الموقف الرسمي ينسجم مع الدستور اللبناني وروحيّته، وبما انّ الحزب لا يلتزم بسياسة لبنان الخارجية، فإنّ الحكومة غير معنيّة بموقفه من الأزمات الخارجية وحدود علاقتها معه لا تتجاوز الحياة السياسية الداخلية تحت سقف المؤسسات الدستورية، وذلك على قاعدة التعامل بالمثل، وهذه القاعدة لا يمكن أن تتبدّل سوى في حال وضع الحزب سلاحه ودوره تحت سقف الشرعية، لأنه لا يعقل أن يتفرّد بالسياسة الخارجية التي تعرِّض لبنان لمخاطر كبرى ويفرض على الحكومة تبني السياسة التي يريدها، والأمور على هذا المستوى يجب أن تكون محسومة: تعاون في الملفات الداخلية، واختلاف في الملفات الخارجية، ولذلك انتقاد السيد نصرالله ليس في محله على الإطلاق.

وكل منطق التحييد الذي شكل أحد ركائز ميثاق العام ١٩٤٣ يستند الى فكرة عدم توريط لبنان في صراعات الخارج بما يهدّد وحدته واستقراره، بمعنى ألّا تتبنّى مجموعة من المجموعات اللبنانية أو فئة داخل هذه المجموعة أو تلك وجهة نظر محور معيَّن وأن تنقل الصراع الى الداخل اللبناني، وهذا ما يقوم به «حزب الله» تحديداً من خلال تنفيذه أجندة إيرانية لا علاقة للدولة اللبنانية بها ومواقفها الرسمية التي هي مواقف مبدئية لدولة ضمن المجموعة العربية، فيما موقف الحزب الملوِّح بأنّ «الحرب على إيران لن تبقى عند حدودها، بل يعني انّ كل المنطقة ستشتعل، وكل القوات والمصالح الأميركية في المنطقة ستُباد»، يشكل أوضح موقف للخروج عن سياسة النأي وتوريط لبنان في مواجهة بين واشنطن وطهران، فضلاًَ عن انّ موقف السيد نصرالله يُسقط للمرة المليون كل الحجج التي تقول إنّ سلاحه هو لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي والدفاع عنه في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ويُثبت انّ سلاحه إيرانيُّ المنشأ والأهداف.

وموقف السيد نصرالله المعترض على الموقف اللبناني في القمة العربية موجَّه شكلاً للرئيس الحريري وضمناً لرئيس الجمهورية ميشال عون، وهو على طريقة «أكلم الجارة لتسمع الكنّة»، باعتبار انّ هذا الموقف تمّ التوافق حوله بين الرئيسين قبل سفر الحريري، ويريد استدراج موقف معترض من رئيس الجمهورية، كما انّ الهدف من موقف نصرالله ربطُ نزاع في هذا الموضوع في قمم مستقبلية.

وفي كل هذا المشهد يأتيك مَن يقول إن الحكومة اللبنانية تابعة لـ»حزب الله» وخاضعة له، لأنّ المعارضة القائمة، هي على طريقة «عنزة ولو طارت»، وأما المطالبة بالرد على السيد نصرالله فأحد جوانب مواقفه جاء رداً على موقف الحكومة، فيما مَن قال إنّ مواقفه يجب أن تشغل الوسط السياسي في كل مرة يطلّ فيها، إذ لكل طرف موقفه ويعبِّر عنه بطريقته، فلم نسمع مثلاً رداً من الحزب على الدكتور سمير جعجع الذي قال منذ أقل من أسبوع «الحقيقة أننا نحن في وطن و»حزب الله» في وطن آخر، ولو كنا على أرض واحدة. أهداف الحزب هي الأمة، وأولويته ليست للبنان إنما للمعركة الكبرى»، وبالتالي كل الأمل بأن تتوقف المزايدات، وأن ينصرف كل طرف الى عمله، والحكومة اللبنانية ليست حكومة «حزب الله» لا من قريب ولا من بعيد.