-عمر قصقص

 

بينما يتحضّر المشاهد لمتابعة الحلقات الأخيرة من المسلسلات الرمضانية غداً الإثنين، باتت واضحة أسماء الإنتاجات التي فازت هذا العام بحصص المشاهدة الأعلى. لكن خلف حرب المشاهدات التي تندلع منذ اليوم الأول للشهر، وخلف تصريحات النجوم، ومعارك مواقع التواصل الاجتماعي، عملية طويلة يبدأ التحضير لها قبل سنة، للخروج بعمل يستحقّ المشاهدة. فكيف تدار المفاوضات بين شركات الإنتاج والمحطات؟ وهل تؤثر الأزمات الاقتصادية في العالم العربي على أرباح القنوات والشركات المنتجة؟ وكم تكلّف الحلقة الواحدة من أي عمل رمضاني؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عنها في ما يلي.

في حديث مع "العربي الجديد" يشرح المنتج اللبناني جمال سنان، صاحب شركة "إيغل فيلمز"، أن متوسط تكلفة كل حلقة من مسلسلات رمضان المشتركة (اللبنانية ــ السورية، أو اللبنانية ــ السورية ــ المصرية) لا يقلّ عن 40 ألف دولار، وقد ترتفع لتصل في حدّها الأقصى إلى 70 ألف دولار. أي إنّ الكلفة الإجمالية لإنتاج مسلسل مشترك تتراوح ما بين مليون و200 ألف، ومليونين و200 ألف دولار. وعن تغطية تكلفة العمل، يضيف سنان: "الأمر يختلف حسب عدد قنوات العرض والاتفاقات التي تنجزها الشركة، فإن كان في العرض الأول أو الثاني أو الثالث تختلف العائدات. طبعاً شركات الإنتاج تسعى للربح من بيع هذه الأعمال، وهذا حق مشروع".

ومع زيادة تكاليف الإنتاج تواجه بعض الشركات صعوبة في التسويق، هنا يؤكد سنان أن "المشكلة ليست في التسويق، بل في الربح، فكلما ارتفعت تكلفة العمل ازدادت الحاجة لبيعه إلى عدد أكبر من القنوات، وإلا ندخل في دوامة من الخسارة المادية لا يمكن تعويضها".

لكن ما هو متوسط عدد الأشخاص الذين يعملون في المسلسل الواحد من ممثلين وفنيين وكومبارس، والذين تشكل مرتباتهم القسم الأكبر من الميزانية؟. "في كل عمل هناك نحو 100 شخص، يقل الرقم ويزيد بحسب حجم كل مشروع". وعن أجور العاملين في المسلسل يقول: "لا شك بأن أجور الفنيين تختلف، وخصوصاً مع تراكم الأعمال والخبرات ومع الوقت. إذ يبني كل عامل علاقة ثقة أساسها التعاون والنجاح المشترك بين الشركة وبينه. بالنسبة للكومبارس أجورهم ثابتة ومتشابهة"، بينما يشرح أن أجور النجوم تختلف بحسب كل شخص وبحسب نجوميته.

بعد الانتهاء من التصوير تبدأ مرحلة التسويق، والمفاوضات بين شركات الإنتاج والمحطات. هنا، تقول مسؤولة قسم شراء البرامج والمسلسلات في تلفزيون "المستقبل" رلى الحسيني في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "متوسط ثمن بيع المسلسلات للمحطات اللبنانية يختلف بحسب الأبطال، وإن كانت لبنانية فقط أو مشتركة. إذ يبدأ مزاد حلقات المسلسلات بين شركات الإنتاج والمحطات اللبنانية من 20 الى 35 ألف دولار أميركي". وتضيف: "هنا نتكلم عن حلقات تباع بشكل متزامن لقنوات فضائية وأخرى محلية". ثمّ تشير الحسيني إلى تفصيلة أساسية: "يجب التوضيح أنه في حال لم تبِع شركة الإنتاج مسلسلاتها لقنوات عدة في رمضان، وبعده مباشرة كعرض ثانٍ، فمن الصعب أن تسترجع تكلفته بعد ذلك. لأن ثمن الحلقات ينخفض إلى النصف، وخاصةً مع وجود الإنترنت. إذ صحيح أن أغلب المسلسلات لن نجدها على موقعي يوتيوب وفيسبوك، لكنها موجودة على مواقع أخرى لا يمكن ضبطها".

وهل يؤثر تضارب أوقات العرض بين المحطات العربية واللبنانية على سعر البيع؟ فعلى سبيل المثال يعرض "الهيبة - الحصاد" الساعة 6 مساءً بتوقيت بيروت على قناة mbc، بينما تعرض في وقت الذروة أي الثامنة والنصف مساءً على قناة MTV اللبنانية. هنا تؤكد الحسيني: "التوقيت بين الدولتين يختلف تماماً باختلاف أولويات المشاهدة، فالساعة الثامنة والنصف في لبنان هو الوقت الذي يلي الإفطار مباشرة حيث يجلس اللبنانيون ويشاهدون المسلسلات، بينما يعرض على mbc في وقت آخر تماماً وهذا لا يؤثر على القناة اللبنانية".

تنتقل الحسيني للحديث عن تفصيلة أخرى مهمة أيضاً، هي مدة الإعلانات وعائداتها على القنوات، فتقول: "هذا العام، ضرب أصحاب المحطات التلفزيونية عرض الحائط بالقاعدة العالمية للفواصل الإعلانية، التي تنص على أن تكون لكل ساعة من العرض التلفزيوني، 8 دقائق فقط مخصّصة للإعلانات. أي أن لا يزيد حجم المحتوى الإعلاني عن 10 بالمئة من حجم المحتوى الإعلامي. لكن ما حصل هذا العام مختلف تماماً، إذ وصلت مدة بعض الحلقات التلفزيونية إلى 8 دقائق فقط مقابل أكثر من 50 دقيقة من الإعلانات. وهذا الأمر يزعج المشاهد، إلا أنه ضروري للقنوات لتغطية التكاليف الباهظة التي تتكبدها نتيجة شراء مسلسلات عدة إلى جانب برامج ترفيهية أخرى".

وعن تكاليف المسلسلات وكيفية التوفير فيها من الناحية الإنتاجية، تختم الحسيني بالقول: "إن كانت الشركة المنتجة تنتج مسلسلات عدة في رمضان، فأمامها طرق عدة للتوفير. مثال بسيط جداً لاحظناه هذا العام: السيارات التي يستخدمها أبطال مسلسل "الهيبة" هي نفسها التي يستخدمها أبطال مسلسل "خمسة ونص". كما تستخدم عادة المعدات نفسها من كاميرات وإضاءة. كل هذه التفاصيل تساهم في خفض تكلفة الإنتاج".


من جهتها، أكد أحد العاملين في قسم الإعلانات والتسويق في قناة لبنانية لـ "العربي الجديد"، أن "المحطات اللبنانية ونتيجة لشدّة التنافس بينها، خفضت سعر الإعلانات لكسب المزيد من المعلنين. إذ وصل سعر الإعلان على الشاشات إلى 4000 دولار على كل 30 ثانية. وتعطي المحطات باقات عدة مجانية مع كل إعلان. بينما كان الإعلان يصل إلى 7000 على كل 30 ثانية في السنوات أو المواسم المنصرمة. وهذا الأمر سببه الأزمة الاقتصادية التي انعكست سلبياتها على جميع القنوات، التي اضطرت إلى خفض سعر فواصلها الإعلانية إلى النصف تقريباً". فيما اضطرت بعض القنوات إلى عرض الأجزاء الأولى من مسلسلاتها قبل رمضان لتقييد المشاهدين، وحثّهم على متابعة الجزء الثاني خلال رمضان. بالإضافة إلى جوائز يومية للمشاهدين الذين يجيبون عن أسئلة تطرح عن المسلسل وتتخطى قيمتها الـ 400 دولار، كما فعلت قناة "الجديد" على سبيل المثال.

فيما أكدت مصادر في قناة LBCI، أن "عوائد الإعلانات ترتبط بنسبة المشاهدة لكل محطة على مدار العام، لا فقط في رمضان. وهذا الأمر مرتبط بشبكة البرامج والمسلسلات التي تطلقها المحطة طيلة السنة".