العبادي يعترف بالفشل السياسي والأمني لحزب الدعوة أثناء رئاسة الحكومة.
 
تفاقم الغموض بشأن مستقبل حزب الدعوة الإسلامي في العراق مع تقديم رئيس مكتبه السياسي حيدر العبادي استقالته من جميع مناصبه السياسية داخل الحزب، الأمر الذي يزيد الضغوط على غريمه السياسي في قيادة الحزب نوري المالكي.
 
وحزب الدعوة معطل بشكل عملي منذ مرحلة التمهيد للانتخابات النيابية في مايو الماضي عندما فشلت محاولات تشكيل قائمة موحدة تضم المالكي والعبادي.
 
وأعلن العبادي، رئيس تحالف النصر في البرلمان (42 مقعدا) الخميس، استقالته من جميع مناصبه الحزبية، داعيا إلى إجراء مراجعة وتجديد في هيكلة حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق.
 
وفي اعتراف بالفشل السياسي والأمني أثناء تسلم الحزب رئاسة الحكومة العراقية، قال العبادي في رسالة موجهة لحزب الدعوة إنه “ليست هناك تجارب سياسية مجتمعية معصومة، والمهم المراجعة والتصحيح، والأهم الإصرار على المواصلة بوعي وتخطيط والتزام وفق قواعد المسؤولية والجهوزية”.
 
وتولى حزب الدعوة عام 2006 رئاسة الحكومة العراقية واستمر حتى 2018، بعدها كلّف عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة عقب تراجع الحزب في نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو الماضي.
 
وطالب العبادي، الذي خلف المالكي في رئاسة الوزراء، بمراجعة نقدية، وتجديد بالخطاب والهيكلة، والمواصلة بإرادة جماعية متناغمة، وبضخ دماء جديدة في جميع مفاصل الدعوة، بعد الإعلان عن تنازله وانسحابه من جميع المواقع القيادية بالحزب.

وعلى مدى السنوات الماضية كانت العلاقة بين العبادي ونوري المالكي متوترة، إذ حمّل العبادي زعيم حزبه مسؤولية سيطرة داعش على مساحة ثلثي البلاد عندما كان المالكي رئيسا للحكومة عام 2014.

ولدى المالكي مصلحة كبرى في البقاء على رأس حزب الدعوة، للحفاظ على مكانته وضمان الحصانة ضدّ محاسبته على استشراء الفساد في البلاد طيلة ولايتيه على رأس الحكومة، ونهب المال العام وإسقاط ما يقارب ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش وما نتج عن ذلك من كوارث ستستمر نتائجها لعقود من الزمن.

ولم يجن حيدر العبادي شيئا يذكر من انفصاله عن “رئيسه” في الحزب نوري المالكي وخوضه الانتخابات الماضية ضمن كتلة مستقلة أطلق عليها تحالف النصر، كما لم يفده قربه من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في الدفاع عن منصبه، بل حتى في الوصول إلى منصب وزير الخارجية الذي تقول المصادر إنّه سعى للحصول عليه بعد أن استُبعد من رئاسة الوزراء.

ولا يعول المتابعون كثيرا على انسحاب العبادي من قيادة حزب الدعوة، لأن الحزب يعاني بالأساس من شبه انفراط عقده السياسي منذ التقدم للانتخابات البرلمانية بقوائم منفصلة.

واستبعد مصدر سياسي عراقي أن ينجح العبادي في تشكيل كتلة داخل الحزب تتبعه، لذلك فإن انسحابه من مناصبه القيادية في الحزب لن يؤدي إلى تصدع الموقع القيادي الذي يحتله نوري المالكي الذي بات تأثيره على الحياة السياسية يشحب تدريجيا، بحيث أصبح الرجل الذي جر العراق إلى هاوية الفساد والحرب الأهلية أشبه بشبح يتوارى خلف زعماء الميليشيات التابعة لإيران والتي يعتقد أنها تشكل السد الأخير الذي يحميه.

وقلل مراقب سياسي عراقي من أهمية انسحاب العبادي، لأن الاستقالة جاءت بعد أن فقد قيمته السياسية، مؤكدا أنه “ما من دور يلعبه العبادي في الحياة السياسية في العراق اليوم. إن بقي في حزب الدعوة أو أنسحب منه فإن الأمر سواء”.

وقال المراقب في تصريح لـ “العرب”، “لا يؤثر ذلك على نفوذ حزب الدعوة وليس له أدنى تأثير على مصير الدولة العراقية. لو أنه فعلها يوم كان رئيسا للوزراء لاتخذ قراره طابعا تاريخيا ولصنع مسارا سياسيا آخر للدولة العراقية. فلو أنه وضع نهاية لحكم حزب الدعوة عام 2014 لكان في إمكانه أن يتحرك في كامل المساحة التي يضمنها له منصبه ولاستطاع أن يحول دعوته النظرية إلى الإصلاح إلى برنامج عمل واقعي”.

وأضاف “غير أن استمرار ارتباطه بعجلة حزب الدعوة سمح لماكنة الفساد بالاستمرار في العمل وحال دون إقامة قضاء نزيه يتمكن من مساءلة الفاسدين”.

وجاءت استقالة العبادي في وقت يشعر فيه أعضاء حزب الدعوة بأهمية تماسك “عصبتهم” خشية أن يسعى رئيس الحكومة الحالي إلى تفكيك مفاصل دولتهم السرية القائمة داخل الدولة العراقية. فعبدالمهدي الذي يتعرض إلى ضغوط من قبل قادة الحشد الشعبي في خضم الأزمة التي تتعرض لها إيران يجد نفسه عاجزا عن إدارة الدولة إذا ما استمر حزب الدعوة في السيطرة عليها من الداخل