يعترف مرجع ديبلوماسي أنّ جولة صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر في المنطقة أعطت الإشارات الأولى لإنطلاق التحضيرات لـ «مؤتمر المنامة» سواء أعلن عن عناوين «صفقة القرن» أم لا. فجولته تزامنت مع زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون للخليج وقمم مكة، وهو ما رفع نسبة التوتر مع طهران بفعل مواقف الطرفين. وعليه ما هي السيناريوهات المتوقعة؟
 

لا يستبعد مرجع ديبلوماسي أن تبلغ المواقف المتشنجة على الساحة اللبنانية والمنطقة ذروتها، قياساً على حجم ترددات ستتركها المواقف والتسريبات التي رافقت الحراك الأميركي فضلاً عن التسريبات التي رافقتها من الأردن ودولة الامارات العربية المتحدة، كذلك بالنسبة الى ما سيصدر عن قمم مكة في مواجهة التهديدات التي وجهتها قيادة الحرس الثوري الإيراني الى كل مَن سيشارك او ينخرط في مسار «مؤتمر البحرين».

ثمة مَن يعتقد، انّ تزامن كل هذه التحركات بعضها مع بعض بوجوهها السياسية والدبلوماسية الأميركية منها والعربية والخليجية لم يكن مصادفة. فحتى الأمس القريب لم يفهم كثيرون ما هي الخطوات التي ستتّخذها واشنطن لترجمة تهديداتها تجاه ايران وحلفائها في المنطقة. فالترسانة العسكرية الكبيرة والمتطوّرة التي حُشدت وسخّرت لخوض هذه المواجهة وحسمها لم تُستخدم بعد، ولربما أرادت واشنطن منها فرض النتائج المترتّبة عليها من دون استخدام الطلقة الأولى كما يعتقد الأميركيون ويرغبون.

وكذلك لم يفهم أحد بعد تحديداً ماهيّة مقترحات واشنطن الجدّية لحلّ مسألة النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بعدما تلمّس المراقبون إسقاط واشنطن من حساباتها الوجه الآخر من النزاع بين إسرائيل والعرب مجتمعين. فهي تتصرّف على أساس انّ العرب قد تنازلوا عن أولوية القضية الفلسطينية وباتوا في مقلب آخر، وهو أمر منافٍ للحقائق.

فكل ما صدر عن قمم مكة، بالإضافة الى رفض التهديدات الإيرانية، يوحي انّ العرب ما زالوا على مواقفهم من تبنّي القضية الفلسطينية ورفضهم كل القرارات الرئاسية الأميركية التي طاولت القدس والجولان السوري المحتل ووقف تمويل وكالة «الأونروا» بعد إقفال مكاتب منظمة التحريرالفلسطينية في واشنطن.

وزد على ذلك، فقد كان بليغاً موقف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي ابلغ الى كوشنر أنّ «السلام الشامل والدائم» في الشرق الأوسط لن يتحقق إلّا بـ «إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية». كذلك شدّد على ضرورة تكثيف الجهود في هذا الاطار، مشدِّداً على «حلّ الدولتين كأساس لسلام دائم» وهو ما يتناقض مع كل ما سعى اليه المبعوث الأميركي في السر والعلن، وتحديداً في مبادرته الجديدة.

وعلى هذه الخلفيات، وما تحمله من تناقضات فاضحة لا تحتمل أيّ تأويل أو التباس، يبني المرجع الديبلوماسي مخاوفه من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الوضع في المنطقة في حال بقيت الأمور على ما هي وما تحمله من نذير مواجهات محتملة بين أهل البيت وخارجه على حدٍّ سواء. فكل التقارير الديبلوماسية والإستخبارية تتحدث عن عقبات تحول دون مرور المشاريع الأميركية بالسلاسة التي يعتقدها البعض. فعلى رغم من الإجماع العربي على بعض المواقف والملفات لن تكون المواقف موحّدة من «مؤتمر البحرين» فالإدارة الأميركية حققت خرقاً في جدار الوحدة العربية وإلّا لما اختارت المنامة ولا التوقيت ولا جدول اعمال المؤتمر.

ورغم ذلك، يعتقد الديبلوماسي انه، ولو لم يحتسب كوشنر وفريقه المعاون الساعي الى هذه الصفقة حجم العقبات التي تحول دون إقلاعها سيكون الوضع أسوأ ممّا يتصوره أحد. ففي ظلّ الرفض الفلسطيني واللبناني - السوري لمقترحات المنامة فإن توسّعت رقعة الخلافات بين العرب بالنظر الى حماسة بعضهم وتردّد آخرين إزاء الإقتراحات الأميركية، فإنّ ذلك سيحمل كثيراً من المفاجآت غير المحتسبة في أيّ وقت قد يكون قريباً أو على المدى البعيد، وهناك توقعات باحتمال ترجمتها تحالفات عربية وخليجية جديدة لا يُعرف مدى تأثيرها سوى على فرملة مقررات المؤتمر أو تعطيلها.

عند هذه الصورة المشوّشة لن يتمكن أيّ من المراقبين من قراءة التطورات المقبلة بسلبياتها المتوقعة والتي تفيض عن الإيجابية منها. وهو ما يترك المجال واسعاً امام جملة توقعات قد تحمل المفاجآت. فالتصعيد الأميركي الذي عبّر عنه كوشنر في إسرائيل عند حديثه من مصير القدس والجولان وما تلاه من مواقف للرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الدعوة الى الإنتخابات الإسرائيلية في ايلول المقبل، تزيد من الحرج لدى بعض الأنظمة العربية الحليفة لواشنطن وتصبّ النار على المواقف الرافضة وتزيد من التعقيدات المتوقعة ما لم يوفر الأميركيون الحد الأدنى من الإجماع حول خططهم في المستقبل. فأصحاب القضية المستهدفة من التوجهات الجديدة يرفضون اقتيادهم الى «المقصلة» كما قال الرئيس الفلسطيني الأكثر اعتدالاً بين قادة سلطته ولا يمكنهم القبول بما هو مقترَح على أنقاض ما حققته السلطة من حدّ أدنى من الإستقلال الذاتي المهدَّد بالإضمحلال يوماً بعد يوم.

عند هذه المعطيات يختم المرجع الديبلوماسي ليقول إنه وإن لم تُظهِر واشنطن ما تخفيه من مخارج وحلول ترضي جميع الأطراف المدعوّة الى طاولة المنامة بحجة دعم السلطة الفلسطينية فقد تتبخّر كل الإيحاءات الإيجابية والمقترحات المقبولة لدى طرفي النزاع، وستذهب المستجدات بما تحقق من إنجازات سابقة وهو ما يعني أنّ المنطقة ستعوم على مستودع كبير من البارود أين منه الإنتفاضات السابقة وما عكسته من خراب ودمار. فكيف إذا أُضيفت اليه ترسانة صاروخية فلسطينية باتت تطاول معظم المدن الإسرائيلية؟ وهل يمكن عندها أن نشهد على وجود ترسانة أخرى في المنطقة يمكن أن تُستخدم في المواجهة المقبلة.

وينهي المرجع قراءته للتطورات بمعادلة جديدة تربط بين حال الفوضى العربية وعدم تمكّن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومته، فيصل الى معادلة بسيطة تلخّص بالسؤال: مَن قال إنّ تحجيم الدور الإيراني في المنطقة سيصبّ في مصلحة إسرائيل؟ وأجاب نفسه داعياً الى انتظار ما ستؤول اليه القمة الأميركية ـ الروسية ـ الإسرائيلية إذا انعقدت نهاية حزيران الجاري. فالحدث سيواكب فشل أم نجاح مؤتمر المنامة؟ ام انّ مصيرهما مترابط الى حدٍّ بعيد؟