كأن الوزير جبران باسيل يتعمّد نزع أوراق الدفاع من الرئيس سعد الحريري في كل مناسبة تتسنّى له. النفي الذي ورد من مكتبه لما قاله في ندوة البقاع التي كان القصد منها الحوار مع نخب سنّية، تحول إدانة جديدة في حق علاقته بالحريري، وحق التسوية، التي بات واضحاً أنّ الرئيس ميشال عون وفريقه لم يطبّقوها إلّا على حساب الحريري ومن رصيده.
 

ما نُقِل عن باسيل في ندوة البقاع كان دقيقاً، والصحافي الذي كتب عن الحوار كان مدعوّاً في داخل القاعة وشارك في هذا الحوار، ونقل بأمانة أجوبة باسيل الواثقة مع شيء من التوتر الناجم من غياب الكيمياء بين المحاورين والداعي الى الحوار.

ما نقله الصحافي (قاسم يوسف) كان جزءاً من اجوبة باسيل، أما الجزء الآخر فهو يشكل طعنة لشريكه في التسوية، تضاف الى كل ممارسات الاستقواء التي مارسها في حق الحريري، وآخرها تبرئة مفبركي ملف العمالة للفنان زياد عيتاني.

أن يخرج النائب نهاد المشنوق بما يشبه نعي التسوية من دارالإفتاء، فهذا لا يعكس فقط انتهاز توقيت وفرصة يريدها، لتوجيه ضربة قاضية للتسوية، بعدما أُخرِجَ منها، بل يترجم ما وصلت اليه هذه التسوية من افتئات على دور طائفة بكاملها، تشعر نُخَبَها خصوصاً المؤيدة للحريري، أنّ شريكه ليس شريكاً، بل قناص لا يتردد في توجيه ضربات لحضور شريكه المفترَض في الإدارة، كذلك لا يتردد في تجويف دستور «الطائف»، والمجاهرة باستعادة مكتسبات ما قبل إقراره.

من هذه الزاوية يمكن فهم الاحتقان الذي نتج من حكم العسكرية، حيث بدا انّ القاضي الذي رفض الحريري تعيينه، والذي فرض باسيل تعيينه تحت طائلة تعطيل التعيينات، اندفع الى لعب دور محامي الدفاع، والعين على الخلاف مع اللواء عماد عثمان، الذي بدوره كان ذهب في إيجابيته مع العهد بعيداً الى درجة المشاركة في توقيفات طاولت بعض الناشطين، ليستفيق الجميع على مطالبة باسيل بإقالته واتّهامه برخص حفر آبار المياه، علماً أنّ فريق عون الذي تسلّم وزارة الطاقة منذ العام 2008 لم يُثر هذه المسألة الّا حين استعر الخلاف بين الحريري وباسيل.

لم يكتفِ باسيل بكل ما وجّهه للحريري، بل حرص على أن يكون أداؤه داخل الحكومة أكبر من الحكومة ورئيسها، وقد تجلّى ذلك في نقاش الموازنة حيث وتحت عنوان «الأمر لي»، أخّر إقرار الحكومة الموزانة لأسابيع، ومدّ جلساتها اكثر من ثماني جلسات، وفي موازاة نقاش الموازنة التفصيلي في السراي الحكومي، أصرّ على أن تصدر من قصر بعبدا، في اشارة الى العودة شكلاً الى مرحلة ما قبل «إتفاق الطائف»، الى النظام الرئاسي، أو كما يقول الرئيس فؤاد السنيورة الى «تكتيك» تعديل «اتفاق الطائف» بالممارسة.

صبرَ الحريري على باسيل، واستعان إعلامُه في الأمس بنفي باسيل كلامَه المؤكد في البقاع، لتأجيل الاشتباك، علماً أنّ ما نُقل عن رئيس الحكومة، أشار الى انّ مرحلة ما بعد إقرار الحكومة ستكون «يوماً آخر» أي انه سيجري تصويب المسار الحالي الى ما يؤمّن الانتظام تحت سقف الدستور، لكنّ الواضح انّ أداء باسيل الذي يدعمه عون يهدّد الغطاء السنّي الذي كان يغطي التسوية ولو مكرَهاً، فهذه التسوية التي توقّع لها مراقبون أن تهتزّ على وقع تطورات المنطقة، باتت تئنّ من مسار داخلي محتقن سوف لن يؤدي الى الإطاحة بها فحسب، بل الى المَسّ بالدستور، و«إتفاق الطائف»، وهو ما يعني انّ عهد عون وضع نصب عينيه هدف العودة الى ما قبل 1990، ولو أدّى ذلك الى إنتاج مناخ 1975.